حاضرة الفاتيكان (وكالة فيدس) – اعلن البابا بندكتس السادس عشر قداسة خمسة طوباويين: الأسقف زيغمونت زسيسني فيلنسكي، مؤسس رهبانية أخوات عائلة مريم الفرنسيسكانيات؛ فرنسيسكو كول إي غيتارت، كاهن من رهبانية الواعظين (الدومينيكان)، مؤسس رهبانية أخوات بشارة مريم العذراء المباركة الدومينيكيات؛ جوزيف داميان دي فوستر، كاهن من رهبانية قلبي يسوع ومريم الأقدسين والسجود الدائم لسر المذبح المقدس؛ رافاييل أرناييس بارون، راهب من الرهبانية السيسترسية للمراقبة الدقيقة؛ والبتول ماري دو لاكروا (جان) جوغان، مؤسسة رهبانية أخوات الفقراء الصغيرات.
وانصرف البابا في عظته الى الحديث عن الإنجيل شارحاً معنى كلمة يسوع "تعال واتبعني". "هذه هي الدعوة المسيحية التي تنشأ عن اقتراح المحبة الذي أطلقه الرب – قال قداسته - والتي تتحقق فقط بفضل استجابتنا المُحبة. يسوع يدعو تلاميذه إلى بذل حياتهم بالكامل من دون حساب أو كسب شخصي، وبثقة ثابتة بالله. يرحب القديسون بهذه الدعوة المتطلبة ويبدأون باتباع المسيح المصلوب والقائم من بين الأموات بطاعة. إن كمالهم، في منطق إيمان مبهم للبشر أحياناً، يرتكز على التخلي عن إعطاء أنفسهم أهمية مركزية، وعلى اختيار الإبحار بعكس التيار والعيش وفقاً للإنجيل. هذا ما فعله القديسون الخمسة الذين تكرمهم اليوم الكنيسة الجامعة بفرح عظيم. وتحدث البابا عن كل من الطوباويين الخمسة:
زيغمونت زسيسني فيلنسكي، رئيس أساقفة وارسو، ومؤسس أخوات عائلة مريم الفرنسيسكانيات، كان شاهداً عظيماً للإيمان والمحبة الرعوية في أوقات عصيبة قاستها الأمة والكنيسة في بولندا. تعامل بحماسة مع نمو المؤمنين الروحي ومساعدة الفقراء واليتامى. أشرف في الأكاديمية الكنسية في سانت بطرسبورغ، على تقديم تنشئة متينة للكهنة. كرئيس أساقفة وارسو، شجع الجميع على التجدد الروحي. قبل حصول العصيان المسلح في يناير 1863 ضد الإلحاق الروسي، حذر الشعب من سفك الدماء العبثي. مع ذلك، ومع وقوع الثورة وقمعها، دافع بشجاعة عن المظلومين. تحت حكم القيصر الروسي، أمضى 20 عاماً في المنفى في ياروسلافل في سيبيريا، من دون التمكن من العودة إلى أبرشيته. في كل ظرف، تشبث بثبات بثقته بالعناية الإلهية وصلى ما يلي: "إحمنا يا الله من محن هذا العالم وهمومه... ضاعف فقط المحبة في قلوبنا فنتمكن بتواضع كبير من الحفاظ على الثقة اللامتناهية بمعونتك ورحمتك...". فليصبح اليوم تفانيه لله والبشر، الممتلئ ثقة ومحبة، مثالاً مشرقاً للكنيسة جمعاء.
"فرانسيس كول، كرس نفسه لإعلان الكلمة بلهفة، منجزاً دعوته بأمانة في رهبانية الواعظين التي عمل فيها. كان شغوفاً بالوعظ، بخاصة من خلال اعتماد التجول واتباع شكل "الإرساليات الشعبية" في سبيل إحياء كلمة الله وإعلانها لشعوب كاتالونيا ومدنها، مرشداً الشعوب للقاء الله. هذا اللقاء الذي يسمو بالقلب إلى الاهتداء فيحظى بفرح بالنعمة الإلهية ويحافظ على حوار دائم مع ربنا من خلال الصلاة. لذلك اشتمل نشاطه التبشيري على تفانٍ كبير لسر المصالحة، وتشديد مهم على سر الافخارستيا وإصرار دائم على الصلاة. بلغ فرانسيس كول قلوب الآخرين لأنه نقل إليهم ما عاشه بنفسه بشغف وما أضرم قلبه أي محبة المسيح وتفانيه له. وفي سبيل تأمين أرض خصبة لبذرة كلمة الله، أسس فرانسيس رهبانية أخوات بشارة مريم العذراء المباركة الدومينيكيات لتقديم تربية شاملة للأطفال والشباب ليكتشفوا المسيح الكنز السري، هذا الصديق الأمين الذي لا يتخلى عن أحد ولا يتعب من إعانتنا فيحيي رجاءنا بكلمته، كلمة الحياة."
جوزيف دي فوستر الذي تلقى اسم داميان في رهبانية القلبين الأقدسين عندما كان في 23 من عمره سنة 1863، ترك منزله في فلاندرز من أجل إعلان الإنجيل في الجانب الآخر من العالم، في جزر هاواي. إن نشاطه التبشيري الذي منحه فرحاً كبيراً يبلغ ذروته في المحبة. من دون خوف أو اشمئزاز، اختار الذهاب إلى جزيرة مولوكي لخدمة البرص الذين تخلى الجميع عنهم، وبالتالي عرض نفسه للمرض الذين كانوا يعانون منه. أحس بالراحة إلى جانبهم. وأصبح خادم الكلمة خادماً متألماً، أبرصاً بين البرص، خلال السنوات الأربع الأخيرة في حياته."
في سبيل اتباع المسيح، لم يترك الأب داميان بلاده الأم فحسب، وإنما عرض أيضاً صحته للخطر: لذلك نال الحياة الأبدية، حسبما تقول كلمة يسوع المعلنة في إنجيل اليوم (مر 10، 30).
في الذكرى العشرين لإعلان قداسة قديس بلجيكي آخر، الأخ موتيان ماري، اجتمعت الكنيسة في بلجيكا مجدداً لشكر الله على أحد أبنائها المعروف بخدمته الصادقة لله. إننا نذكر أمام هذه الشخصية البارزة أن المحبة تؤدي إلى الوحدة: تولدها وتنمي الرغبة فيها. من خلال اتباع القديس بولس، يرشدنا القديس داميان إلى اختيار الحرب الروحية (1 تيم 1، 18)، لا تلك التي تؤدي إلى الانقسام بل تلك التي توحد. إنه يدعونا إلى النظر إلى البرص إخوتنا. وما يزال يدعونا اليوم أيضاً إلى تقديم سخائنا ومحبة حضورنا الخادم."
"الأخ رافاييل، توفي عن عمر 27 عاماً كراهب في رهبانية القديس إيسيدور دي دويناس اللاترابية. كان يتحدر هو أيضاً من أسرة ميسورة، على حد قوله، ذات "روح حالمة بعض الشيء" لم تتلاش أحلامها أمام التعلق بالممتلكات المادية والأهداف الأخرى التي كانت تقوم عليها النزعة الدنيوية آنذاك. قبل اقتراح اتباع يسوع بطريقة فورية وحاسمة، من دون حدود أو شروط. باشر السير على دربه التي أدت به منذ لحظة إدراكه في الدير أنه "لم يكن يعرف كيفية الصلاة" إلى قمة الحياة الروحية التي يصفها ببساطة وعفوية في العديد من كتاباته. إن الأخ رافاييل الذي ما يزال قريباً منا يستمر من خلال مثاله وأعماله في تقديم رحلة فاتنة، بخاصة للشباب الذين لا يرضون بسهولة بل يطمحون للحقيقة الكاملة، والفرح الذي لا يوصف في محبة الله. "الحياة محبة... هذا هو السبب الوحيد للعيش"، حسبما قال القديس الجديد، مشدداً على أن "كل الأمور تنبع من محبة الله". فليستجب الرب إحدى الصلوات الأخيرة التي تلاها القديس رافاييل أرناييس فيما بذل حياته كلها لأجله طالباً: "خذني وقدم نفسك للعالم". فليقدم نفسه من أجل إعادة إنعاش الحياة الروحية لدى مسيحيي اليوم. وليقدم نفسه ليتمكن إخوته في الرهبانية اللاترابية والمراكز الرهبانية من أن يكونوا دوماً منارة تكشف التوق لله الموجود في قلب كل إنسان.
من خلال عملها الرائع في خدمة المسنين الفقراء، تشبه القديسة ماري دو لاكروا منارة ترشد مجتمعاتنا التي لا بد لها من العمل على إعادة اكتشاف الإسهام الفريد في هذه الفترة من حياتنا. ولدت جان جوغان سنة 1792 في كانكال، بريتاني، وكانت مهتمة بكرامة إخوتها وأخواتها في البشرية اللذين أضعفتهم السنين واللذين كانت ترى فيهم شخص المسيح نفسه. وكانت تقول: "انظروا إلى الفقراء بحنو، فينظر إليكم يسوع بصلاح في يومكم الأخير". هذه النظرة الحنونة إلى المسنين المنبثقة عن اتحاد عميق بالله، لازمت جان جوغان خلال خدمتها الفرحة والنزيهة التي مورست بتواضع ولطف، والتي تمنت خلالها أن تكون فقيرة بين الفقراء. عاشت جان سر المحبة من خلال قبول الظلام والتجرد من كل الممتلكات المادية حتى وفاتها.
في الختام دعا البابا المؤمنين الى إلى التأثر بمثال هؤلاء القديسين، والسماح لأنفسهم باتباع تعاليمهم لكيما يصبح وجودنا نشيد تسبيح لمحبة الله (وكالة فيدس 12-10-09)