غزة (وكالة فيدس) - إنّ الحياة في غزة ليست سهلة لأحد. جعلت تداعيات الصراع العربي الإسرائيلي من القطاع أكبر سجن مفتوح في العالم منذ 70 عامًا، وتشهد المنطقة إضطرابات بشكل دوري بسبب اندلاع الحرب التي عصفت بالسكان المدنيين ، وزرع بذور الكراهية في مستقبل الأجيال الشابة. في مثل هذا المكان ، بالنسبة لأولئك الذين حصلوا على عطيّة الإيمان بالمسيح ، فإن الشيء الأكثر أهمية هو "حماية الحضور الجسدي للمسيح نفسه في القربان المقدس" ، والصلاة لكي يحرس هو نفسه الحياة اليومية لأصدقاء يسوع الفقراء لخير ومصلحة الجميع. في هذا يثق الأب غابريل رومانيلي ، وهو كاهن رعية الكنيسة الكاثوليكية المكرسة للعائلة المقدسة في غزة ، ويعزيه المعجزات الصغيرة والكبيرة للإيمان والرجاء والمحبة التي يراها تحدث بين رعاياه ورفاقهم في المصير.ويكشف الأب في حديث الى وكالة فيدس :" من بين المفاجآت التي حدثت في الآونة الأخيرة، هناك أيضًا وجه عبد الله ، الفلسطيني البالغ من العمر 24 عامًا ، الذي بدأ الرحلة ليصبح كاهنًا ، متابعًا ما استطاع بإذن الله أن يصبح أول كاهن أو راهب في قطاع غزة لمدة خمسين عامًا على الأقل.
وصل الأب غابريل إلى غزة أيضًا بعد دعوته الإرسالية. وكان الاب يتخيّل نفسه منذ طفولته وهو يعلن الإنجيل للعالم ، وتساءل لماذا في بوينس آيرس ، حيث تم تعميد الجميع تقريبًا ، لم يعش المسيحيون سعداء. ويتذكّر مازحاً "كنت قد قرأت أيضًا كتيبًا عن القديس يوحنا بوسكو وقد أدهشتني العبارة القائلة بأن كل من يساعد في إنقاذ روح أخرى ، يحفظ نفسه أيضًا. بدا الأمر على الفور وكأنه صفقة جيدة…". بعد التغلب على حيرة والديه ، دخل في سن الثامنة عشرة مبتدئ معهد الكلمة المتجسد. وكإكليريكي ، كان يحلم أن تقوده مهنته إلى الصين ، أو إلى روسيا.
بدلاً من ذلك ، طلب منه رؤساؤه الذهاب إلى الشرق الأوسط . ويقول الأب رومانيلي " كنت سعيدًا ومندهشًا.إنّ الشرق الأوسط هو أرض الرب ، اعتقدت أنها وجهة يتمّ إقتراحها على الكهنة ذوي الخبرة ، وكنت لا أزال مدرسًا في الإكليريكية ...". بعد رسامته الكهنوتية وسنتين قضاهما في مصر في تعلم اللغة العربية ، كانت وجهته الأولى هي الأردن. ثم طلب منه رئيس الأساقفة ميشال صباح ، بطريرك القدس للاتين ، أن يذهب كمُدبّرفي إكليريكية البطريركية في بيت جالا ، حيث قام بتدريس المواد الفلسفية باللغتين العربية والفرنسية لمدة 14 عامًا. وصل إلى غزة ، بصفته راعي كنيسة العائلة المقدسة الجديد ، في عام 2019. ويكرر الأب غابريل "بالنسبة لي ،إنها رسالة جميلة حقًا. في كل مرة أشعر بالدهشة عندما أعتقد أنه وفقًا لتقليد ثابت ، مر الطفل يسوع عبر غزة ، ذاهبًا وعائدًا من مصر ، عندما اضطرت العائلة المقدسة ، التي سميت أبرشيتنا لها ، إلى الفرار للحفاظ عليه من شرور هيرودس.
واليوم ، يدفع السياق التاريخي لغزة بكل جراحه العمل الرسولي إلى اتخاذ سمات جوهرية. ليست هناك حاجة لخطط رعوية مليئة بالأفكار الفعالة أو لإسناد التبشير إلى "استراتيجيات اعلامية " جديدة. يجب فقط الانتباه للأشياء التي تضعها الحياة الواقعية أمامك واتّباعها.
إنّ الأولويات التي يتبعها الأب رومانيلي - بدءًا من حراسة الحضور الجسدي للمسيح في الإفخارستيا - تهيئ أيضًا وتقترح الأشياء التي يجب القيام بها ، وهي أكثر المبادرات المعتادة والبسيطة للروحانية الكاثوليكية: الصلاة والاحتفال بالقداس والأسرار، الوردية ، التعليم المسيحي. من الأفضل تكرار هذه الممارسات بدلاً من تضييع الوقت في الحديث بقلق شديد عن أعداد المعمّدين في غزة. وبهذه الروح ، ولدت مجموعة الكشافة أو ازدهرت في السنوات الأخيرة ، مدرسة خدّام المذبح التي سميت على اسم الشاب كارلو أكوتيس ("الذي أعلن في هذه الأثناء طوباويًا ، ويسعدنا التحضير لتقديسه ..." ) ، ومواد الدراسة العقائدية (تركزت هذه السنة على الأسرار المقدسة ، بعد تلك المكرسة للكتاب المقدس والعذراء مريم) والسجود القرباني ، " الذي قدمناه أيضًا للأطفال الصغارهذا العام. ربما لا يستغرق الأمر سوى بضع دقائق بالنسبة لهم ، ولكن بهذه الطريقة يمكنهم أيضًا أن يبدأوا أمام أعينهم وقلوبهم أن يسوع ، مخلصنا موجود في ذلك القربان المكرس " يقول الأب رومانيلي .
إن العمل الرسولي في رعية غزة ليس مهووسًا بالالتزامات والنشاطات. وربما لهذا السبب بالذات ، فإن الإزدهار الحقيقي للأعمال الخيرية التي تنمو تلقائيًا حول الكنيسة أمر مثير للإعجاب ، حتى من ناحية الكمية. إن الأوبئة والطوارئ التي يعاني منها سكان غزة كثيرة. إنها مجرد مسألة وعي أهميّة المكان الذي تعيش فيه. وكما يؤكد الأب غابريل "إنّ الكنيسة هي بمثابة واحة ، مكان انتعاش للمجتمع المسيحي ، ولجميع الآخرين". في قطاع غزة ، حيث يعيش ما لا يقل عن مليون و 800 ألف فلسطيني ، يبلغ عدد المسيحيين حاليًا 1077. بينهم 133 كاثوليكيًا.
تستقبل مدارس البطريركية اللاتينية وراهبات الوردية 2300 تلميذ ، معظمهم من المسلمين. تعتني راهبات الأم تيريزا بـ 75 معوقًا ، من بينهم 50 طفلاً. ثم هناك أولئك الذين يعتنون بـ 66 "طفل فراشة" ، أطفال يعانون من مرض وراثي تنكسي ، تأثير القرابة - انحلال البشرة الفقاعي - الذي يجعل الجلد هشًا لدرجة أنه يصاب بالعدوى ويمتلئ بالقروح عند أدنى فرك ، ويمكن تخفيفه فقط مع استمرار وضع الضمادات الكريمية. لقد أثرت جائحة كوفيد 19 على حوالي 60 ألف شخص في قطاع غزة ، من بينهم ، تم علاج حوالي 40 ألف شخص من قبل الفرق الطبية وعيادات الإسعاف التي تنظمها كاريتاس.
حتى قادة حماس ، الحزب الإسلامي الذي يسيطر على قطاع غزة سياسيًا ، يأخذ في عين الاعتبار الأشياء التي تقوم بها الأعمال الخيرية المرتبطة برعية العائلة المقدسة لصالح الناس. قبل عيد الميلاد الماضي ، عندما أراد بعض الدعاة تحذير المؤمنين في المساجد من إرسال التحيات ورسائل التمنيات الطيبة إلى إخوتهم المسيحيين والأصدقاء ، اتخذت الحكومة الفلسطينية في رام الله أيضًا موقفًا صارمًا ضد مثل هذا الترهيب. ذهب بعض ممثلي حماس إلى الرعية ، وكدليل واضح على صداقتهم مع الرعية ، نُشرت صورتهم مع الأب غابريل في وسائل الإعلام المحلية ، وجميعهم قرب شجرة عيد الميلاد .
كما ازدهرت دعوة عبد الله ناصر جلدة وهو يبلغ 24 عامًا في هذه الحياة.وإنّ عبد الله هو الابن الأكبر لعائلة مسيحية لديها أربعة أطفال (ولدان وبنتان) ، وقد شعر "بقلق حول دعوته" أثناء مشاركته في أنشطة الرعية. بدأ عبد الله الآن مؤخرًا بدراسة اللاهوت في معهد الكلمة المتجسدة في إيطاليا ، بعد أن كان مبتدئًا في غزة. تؤكد عمليات البحث في السجلات أنه لم تكن هناك دعوات كهنوتية أو رهبانية في غزة خلال الخمسين عامًا الماضية. ولإيجاد كاهن آخر ، أو راهب ، أو راهبة ولدت وترعرعت في غزة ، يجب على المرء أن يعود أبعد من ذلك. لكنّ الأب غابريل لا يتباهى بذلك بل يقول " الدعوات ليست من عندنا بل إنّها من عند الله ". (ج.ف.) ( وكالة فيدس 25/2/2022)