حاضرة الفاتيكان (وكالة فيدس) – قبل البابا بندكتس السادس عشر أوراق اعتماد صمانية سفراء جدد لدى الكرسي الرسولي وهم سفراء الدنمارك، أوغاندا، السودان، كينيا، كازاخستان، بنغلادش، فنلندا وليتونيا"، وذلك بمناسبة تسليم أوراق اعتمادهم في الفاتيكان نهار الخميس الفائت.
وقال البابا: "يسرني أن أستقبلكم هذا الصباح في القصر الرسولي. لقد جئتم لتقديم أوراق الاعتماد التي تفوضكم سفراء استثنائيين ومطلقي الصلاحية عن بلدانكم التالية: الدنمارك، أوغاندا، السودان، كينيا، كازاخستان، بنغلادش، فنلندا وليتونيا. أهلاً وسهلاً بكم. تقبلوا إبلاغ تحياتي القلبية إلى رؤساء دولكم وشكرهم على الكلمات اللطيفة التي نقلتموها لي باسمهم. إني أعبر عن أفضل التمنيات للرسالة السامية التي يقومون بها في خدمة بلادهم. ومن خلالكم، أرغب أيضاً في توجيه التحيات إلى السلطات المدنية والدينية في أممكم، وإلى جميع شركائكم في الوطن. وأرجو منكم أن تؤكدوا لهم على صلواتي. كما أفكر طبعاً في الجماعات الكاثوليكية الحاضرة في بلادكم. وأنتم تعلمون أنها ترغب في الاشتراك بأخوة في بناء الوطن الذي تساهم فيه إلى أقصى حد ممكن. في رسالتي الأخيرة "المحبة في الحقيقة"، تحدثت عن ضرورة تجديد علاقة عادلة بين الإنسان والكون الذي يعيش ويعمل فيه. فالكون هبة ثمينة منحها الله الصالح للبشر المسؤولين عن إدارته وعن استخلاص هذه المسؤولية. لا يستطيع البشر رفضها أو التهرب منها بإسنادها إلى الأجيال المستقبلية. ومن الواضح أن هذه المسؤولية البيئية لا تتعارض مع الإلحاحية القائمة على وضع حد لفضائح البؤس والجوع. على العكس، لم يعد ممكناً فصل هذين الواقعين لأن التدهور البيئي المستمر يشكل تهديداً مباشراً لحياة الإنسان ونموه، ويكاد يهدد السلام بين الأفراد والشعوب.
سواء على الصعيد الفردي أم على الصعيد السياسي، من الضروري الالتزام بعزم ومشاركة تجاه الخلق. في هذا الصدد، أشجع السلطات السياسية في بلدانكم وفي كافة الأمم، ليس فقط على تعزيز عملها من أجل الحفاظ على البيئة، وإنما أيضاً – لأن المشكلة لا تُعالج فقط في كل بلد على حدة – على أن تكون قوة اقتراح وحث في سبيل التوصل إلى اتفاقيات دولية ملزمة مفيدة وعادلة للجميع. إن التحديات التي تواجهها البشرية حالياً تدعو بالتأكيد إلى حشد ذكاء الإنسان وإبداعه، وتكثيف جهود البحث للقدرة على استخدام أكثر فعالية وسلامة للطاقات والموارد المتوفرة. هذه الجهود يجب ألا تخلو من تبديل في نموذج التنمية الحالية في مجتمعاتنا. تقترح الكنيسة أن يكون هذا التبديل العميق الذي يجب اكتشافه وعيشه موجهاً من خلال فكرة التنمية الشاملة للإنسان. ففي الواقع أن خير الإنسان لا يكمن في استهلاك أكثر جموحاً، وتكديس مطلق للخيرات – استهلاك وتكديس مخصصان لأقلية، ومقترحان كنموذجين للأغلبية. في هذا الصدد، لا تقع مسؤولية التشديد على أولوية الإنسان والروح والدفاع عنها، فقط على مختلف الديانات، وإنما أيضاً على الدولة. فالدولة مسؤولة عن القيام بذلك من خلال سياسة طامحة تسهل حصول جميع المواطنين – بالتساوي – على خيرات الروح التي تثمن ثروة الرابط الاجتماعي وتشجع الإنسان على مواصلة بحثه الروحي.
في فصل الربيع الفائت، وخلال رحلتي إلى مختلف بلدان الشرق الأوسط، اقترحت مرات عديدة اعتبار الديانات عامةً كـ "منطلق جديد" للسلام. صحيح أن الديانات غالباً ما كانت عبر التاريخ عامل صراعات، ولكن الصحيح أيضاً هو أن الديانات التي تم عيشها بحسب جوهرها كانت ولا تزال قوة مصالحة وسلام. في هذا الزمن التاريخي، يجب على الديانات أيضاً أن تبحث من خلال الحوار الصريح والصادق عن درب التطهر لإتمام دعوتها الفعلية. ترغب بشريتنا في السلام، وإن أمكن في السلام العالمي. لا بد من السعي إليه من دون وهم أو تلاعب. إننا نعلم جميعاً أن بناء السلام بحاجة إلى ظروف سياسية واقتصادية وثقافية وروحية. فالتعايش السلمي بين مختلف التقاليد الدينية وسط كل أمة يكون صعباً في ظروف معينة. هذا التعايش لا يعتبر مجرد مشكلة سياسية، وإنما أيضاً مشكلة بحد ذاتها. لذا يدعى كل مؤمن إلى التماس مشيئة الله في كل وضع بشري.
من خلال الاعتراف بالله كالخالق الأوحد للإنسان – لكل إنسان أياً كانت طائفته، أو وضعه الاجتماعي، أو آراؤه السياسية – يحترم الإنسان الآخر في وحدانيته واختلافه. ما من فئات تصنف الإنسان أمام الله بين أدنى وأعلى، مهيمن أو مصون. فالله لا يوجد أمامه سوى الإنسان الذي خلقه بمحبة، والذي يريده أن يعيش في العائلة والمجتمع، في وفاق أخوي. إن اكتشاف تدبير الله الحكيم للإنسان يؤدي إلى إدراك محبته. فالإنسان المؤمن أو الإنسان ذو النية الحسنة يرى أن حل الصراعات البشرية، والتعايش بين مختلف الديانات يمكنهما التحول إلى تعايش بشري في نظام مفعم بالطيبة والحكمة، نظام يستمد جذوره وحيويته من الله. هذا التعايش في احترام طبيعة الأشياء والحكمة المنبثقة عن الله tranquillitas ordinis يدعى السلام. هنا يقدم الحوار بين الأديان إسهامه الخاص لهذه الجذور التي تتحدى المصالح البشرية الفورية السياسية والاقتصادية. يصعب أحياناً على العالم السياسي والاقتصادي إعطاء الأولوية للإنسان، ويصعب عليه الاعتراف بأهمية الأمور الدينية وضرورتها، وإعطاء الدين طبيعته ومكانته الفعليتين في المجتمع. إن السلام المروم لا ينشأ إلا عن عمل الفرد الذي يكتشف طبيعته الفعلية في الله، وعمل المرشدين في المجتمعات المدنية والدينية الذين يتمكنون – في ظل احترام كرامة الإنسان وديانته – من إعطاء الدين دوره السامي والفعلي القائم على إتمام الإنسان وتحسينه. أتحدث هنا عن إعادة تأليف شاملة للأمور الزمنية والروحية تسمح بانطلاقة جديدة نحو السلام الذي يريده الله أن يكون عالمياً. سعادة السفراء، لقد بدأت رسالتكم لدى الكرسي الرسولي. وستجدون لدى معاوني كل الدعم الضروري لإنجازها. إني أجدد لكم تمنياتي القلبية بالنجاح الممتاز في مهمتكم الدقيقة. أرجو من الكلي القدرة أن يساندكم ويرافقكم أنتم وأقرباءكم ومعاونيكم وجميع شركائكم في الوطن! وليمطر الله عليكم وفرة بركاته! . (وكالة فيدس 18-12-2009)