الفاتيكان- رسالة الاب الاقدس للأعمال الرسولية البابوية

الجمعة, 22 مايو 2020 الأعمال الرسولية البابوية   البابا فرنسيس   عمل ارسالي  

papaboys

الفاتيكان ( وكالة فيدس ) - ننشر الرسالة التي وجّهها الأب الأقدس فرنسيس إلى الاعمال الرسولية البابوية في 21 ايّار ، عيد صعود الرب.

كانوا إذا مجتمعين فسألوه: "يا رب، أفي هذا الزمن تعيد الملك إلى إسرائيل؟ ". فقال لهم: "ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي حددها الآب بذات سلطانه. ولكن الروح القدس ينزل عليكم فتنالون قدرة وتكونون لي شهودا في أورشليم وكل اليهودية والسامرة، حتى أقاصي الأرض. ولما قال ذلك، رفع بمرأى منهم، ثم حجبه غمام عن أبصارهم. (اعمال 1، 6-9 )
وبعد ما كلمهم الرب يسوع، رفع إلى السماء، وجلس عن يمين الله. فذهب أولئك يبشرون في كل مكان، والرب يعمل معهم ويؤيد كلمته بما يصحبها من الآيات. (ر 16، 19-20)
ثم خرج بهم إلى القرب من بيت عنيا، ورفع يديه فباركهم. وبينما هو يباركهم انفصل عنهم ورفع إلى السماء. فسجدوا له، ثم رجعوا إلى أورشليم وهم في فرح عظيم. وكانوا يلازمون الهيكل يباركون الله.

* * *
إخوتي وأخواتي الاعزّاء،
كُنت قد قررت هذا العام أن أشارك في جمعيتكم العامة السنوية، يوم الخميس في الحادي والعشرين من أيار الجاري، عيد صعود الرب. من ثم أُلغيت الجمعية بسبب الوباء الذي يؤثر علينا جميعا. ولذلك أود أن أرسل هذه الرسالة إليكم جميعاً، لأبلغكم بالأمور التي كنت أريد أقولها لكم. إنَّ هذا العيد المسيحي، في هذه المرحلة التي نعيشها، يبدو بالنسبة لي خصبًا بالاقتراحات من أجل مسيرة ورسالة كل واحد منا والكنيسة بأسرها.

نحتفل بعيد الصعود ولو انّه يحيي ذكرى انفصال يسوع عن تلاميذه ومن هذا العالم. يصعد الرب إلى السماء ، وتروي الليتورجية الشرقية عن تعجّب الملائكة في رؤية رجل يرتفع بجسده إلى يمين الآب. ومع ذلك ، وبينما كان المسيح على وشك الصعود إلى السماء ، فإن التلاميذ - الذين رأوه أيضًا بعد ان قام من بين الاموات - لا يبدو أنهم قد فهموا بعد ما حدث. إنه على وشك أن يتمم ملكوته ، ومع ذلك لا زالوا ضائعين وراء تخميناتهم. يسألونه إذا كان على وشك إعادة الملك لإسرائيل (راجع أعمال 1: 6). ولكن عندما يتركهم المسيح ، بدلاً من أن يحزنوا ، رجعوا إلى أورشليم "وهم في فرح عظيم" ، كما يكتب لوقا (راجع 24:52). سيكون من الغريب إذا لم يحدث شيء. في الواقع ، وعدهم يسوع بالفعل بقوة الروح القدس ، التي ستنزل عليهم في عيد العنصرة. هذه هي المعجزة التي تغير كل شيء وسوف يصبحون أكثر ثقة عندما يعهدون بكل شيء إلى الرب وسيمتلئون من الفرح والعزاء وملء حضور الرب.

يكتب القديس بولس إلى أهل غلاطية أنَّ ملء فرح الرسل ليس نتيجة المشاعر التي ترضي وتجعلنا سعداء بل هو فرح يفيض يمكننا اختباره فقط كثمرة وهبة للروح القدس. أن ننال فرح الروح القدس هو نعمة، وهو القوّة الوحيدة التي يمكننا الحصول عليها لكي نبشّر بالإنجيل ونعلن إيماننا بالرب؛ فالإيمان هو الشهادة للفرح الذي يمنحنا الرب إياه؛ وفرح كهذا لا يمكن لأحد منا أن يعطيه لنفسه.

وقبل أن يغادر ، أخبر يسوع تلاميذه أنه سيرسل لهم الروح المعزي. وهكذا اوكل العمل الرسولي في الكنيسة الى الروح ليلازمها عبر التاريخ الى حين عودته. إن سر الصعود ، إلى جانب حلول الروح القدس في يوم الخمسين ، يطبع ويعطي إلى الأبد رسالة الكنيسة صفتها الأكثرتوارثاً: وهو أنها عمل الروح القدس وليس نتيجة تأملاتنا ونياتنا. وهذه هي السمة التي يمكن أن تجعل الرسالة مثمرة وتحافظ عليها من أي اكتفاء ذاتي مفترض ومن الإغراء بالاحتفاظ بجسد المسيح رهينة - الذي صعد إلى السماء - لمشاريع السلطة الخاصة بالانسان.

وعندما لا يتم فهم عمل الروح القدس الفعلي والفعال في رسالة الكنيسة، فهذا يعني أنه حتى كلمات الرسالة - حتى تلك الدقيقة والتي تمّ التفكير بها – قد أصبحت مجرّد "خطابات للحكمة البشرية" تُستخدم لكي يعطي المرء مجدًا لنفسه أو لكي يزيل الصحاري الداخلية ويخفيها.

فرح الانجيل
الخلاص هو لقاء يسوع الذي يحبنا ويغفر لنا، ويرسل لنا الروح القدس الذي يعزينا ويدافع عنا. الخلاص ليس نتيجة لمبادراتنا الرسوليّة، ولا لخطاباتنا حول تجسد الكلمة. إن الخلاص يتحقق للجميع فقط من خلال نظرة اللقاء مع الله الذي يدعونا. لذلك يبدأ سر الحب، ولا يمكن أن يبدأ إلا بدفع من الفرح والامتنان. فرح الإنجيل، الفرح الكبير للنساء اللواتي ذهبن في صباح الفصح إلى قبر المسيح ووجدنه فارغًا والتقينَ أولاً بيسوع القائم من الموت وذهبن مسرعات ليخبرن الآخرين. هكذا فقط يمكن لكوننا مختارين ومحبوبين أن يشهد للعالم بأسره من خلال حياتنا لمجد المسيح القائم من الموت.

إنَّ الشهود، في جميع الأوضاع البشريّة، هم الذين يشهدون على ما يقوم به شخص آخر. بهذا المعنى، وبهذا المعنى فقط يمكننا أن نكون شهودًا للمسيح وروحه. بعد الصعود، وكما تخبرنا نهاية إنجيل مرقس، ذهب الرسل والتلاميذ "يُبَشِّرونَ في كُلِّ مكان، وكان الرَّبُّ يَعمَلُ مَعَهم ويُؤَيِّدُ كَلِمَتَه بِما يَصحَبُها مِنَ الآيات"(16،20). إن المسيح وبواسطة روحه يشهد لنفسه من خلال الأعمال التي يقوم بها فينا ومعنا.

انّ الكنيسة كما قال القديس أوغسطينس لن تصلي الى الرب ليمنح الإيمان لأولئك الذين لا يعرفون المسيح ، إذا لم تؤمن أن الله نفسه هو الذي يتوجّه ويجذب اليه الناس بحسب ارادتهم. لن تطلب الكنيسة من أبنائها الصلاة ليطلبوا من الرب المثابرة في الإيمان بالمسيح ، إذا لم تؤمن أن الرب بالتحديد هو الذي يملك على قلوبنا. في الواقع ، إذا سألت الكنيسة الربّ هذه الامور باعتقادٍ أنها يمكن أن تعطيها لنفسها، فهذا يعني أن جميع صلواتها ليست حقيقية ولكنها صيغ فارغة ، من "طرق القول" ، من المجاملات التي يفرضها الامتثال الكنسي .

إذا لم نعترف بأن الإيمان هو هبة من الله ، فإن الصلوات التي توجهها الكنيسة اليه لا معنى لها أيضًا. ولا تكنّ في تعابيرها أي مشاعر صادقة لسعادة وخلاص الآخرين ، وكذلك أولئك الذين لا يعترفون بالمسيح القائم ، حتى لو قضوا وقتهم ينظمون ارتداد العالم إلى المسيحية.

إن الروح القدس هو الذي يشعل الإيمان ويحفظه في قلوبنا، والاعتراف بهذه الحقيقة يغير كل شيء. إن الروح القدس، في الواقع، هو الذي يُشعل ويحيي الرسالة، ويطبع فيها الدلالات "الجينية"، واللهجات والحركات الفريدة التي تجعل إعلان الإنجيل والاعتراف بالإيمان المسيحي يختلف تمامًا عن كل اقتناص سياسي أو ثقافي أو نفسي أو ديني. لقد ذكّرتُ بالعديد من هذه الجوانب التي تميّز الرسالة في الإرشاد الرسولي "فرح الإنجيل"، لكنني سأستعيد بعضها الآن.

الجاذبية. دخل سر الفداء ولا يزال يعمل في العالم من خلال جاذبية يمكنها أن تفتن قلوب الرجال والنساء لأنها تبدو وهي أكثر جاذبية من الإغراءات التي تؤثِّر على الأنانية، نتيجة الخطيئة. إنَّ الكنيسة - يؤكِّد البابا بندكتس السادس عشر - تنمو في العالم من خلال الجذب وليس بالاقتناص. وقد كان القديس أوغسطينوس يقول إن المسيح يُظهر نفسه لنا عن طريق جذبنا. ولإعطاء صورة عن هذه الجاذبيّة، استشهد بالشاعر فيرجيليو، الذي وبحسبه كلُّ إنسان ينجذب إلى ما يستحسنه. ويسوع لا يقنع إرادتنا وحسب ولكنّه يجذب استحساننا أيضًا. إذا تبعنا يسوع لانه جذبنا إليه ، يلاحظ الآخرون ذلك. وقد يفاجئون. انّ الفرح الذي يتألق في أولئك الذين ينجذبون إلى المسيح وروحه هو ما يمكن أن يجعل كل مبادرة تبشيرية مثمرة.

الامتنان والمجانية. يتألق فرح إعلان الإنجيل دائمًا على خلفية ذكرى ممتنة. لم ينس الرسل أبدا اللحظة التي لمس فيها المسيح قلوبهم. وقصة الكنيسة تشرق عندما يتجلى فيها الامتنان لمبادرة الله الحرة، لأنه "هو الذي أحبنا أولاً" و"الله هو الذي ينمّي". إن محبّة الرب تفاجئنا ، والتعجّب بطبيعته ، لا يمكن أن نمتلكه أو نفرضه. لا يمكنك أن "تفاجأ" بالقوة. بهذه الطريقة فقط يمكن أن تزدهر معجزة المجانية وهبة الذات الحرة. وحتى الحماس التبشيري لا يمكن الحصول عليها أبداً نتيجة الاستدلال أو الحساب. وبالتالي أن يضع المرء نفسه في حالة رسالة هو انعكاس للامتنان. إنه جواب الذين جعلهم الامتنان طائعين للروح القدس، وبالتالي أحرار. لذلك لا يمكن للمرء أن يعرف الرب حقًا إلا في حرية الامتنان

التواضع. إن لم تكن الحقيقة والإيمان، والسعادة والخلاص ملكًا لنا، وهدفًا نبلغه لاستحقاقاتنا، فلا يمكننا إذًا أن نعلن إنجيل المسيح إلا بتواضع. تكون متواضعًا إن اتبعتَ المسيح، الذي قال لتلاميذه: "تعلّموا مني، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ القَلبِ". ويتساءل القديس أوغسطينوس لماذا، بعد القيامة، ظهر يسوع لتلاميذه فقط وليس للذين صلبوه؛ ويجيب بأن يسوع لم يكن يريد أن يعطي الانطباع بأنّه "يتحّدى قتلته، لقد كان الأهم بالنسبة له أن يعلّم التواضع لتلاميذه ولا أن يواجه أعداءه بالحقيقة".

التسهيل وليس التعقيد. صفة أخرى للعمل الرسولي الأصيل هي تلك التي تشير إلى صبر يسوع، الذي وحتى في روايات الإنجيل كان يرافق برحمة على الدوام مسيرات نمو الأشخاص. إن خطوة صغيرة، وسط محدوديات إنسانية كبيرة، بإمكانها أن تجعل قلب الله سعيدًا أكثر من الخطوات الواسعة لأولئك الذين يسيرون في الحياة بدون صعوبات كبيرة. إنَّ القلب المرسل يعرف الوضع الحقيقي الذي يعيشه الأشخاص بمحدودياتهم وخطاياهم وضعفهم ويصبح "ضعيفًا مع الضعفاء". ففي بعض الأحيان تكون مسألة تباطؤ في الوتيرة، لكي نرافق الذين بقوا على جانب الطريق. وفي بعض الأحيان علينا أن نتشبّه بذلك الأب في مثل الابن الضال، الذي يترك الأبواب مفتوحة ويحدق يوميًّا إلى الأفق منتظرًا عودة ابنه. إنَّ الكنيسة ليست مسؤول جمارك، وكل من يشارك بأي شكل من الأشكال في رسالة الكنيسة مدعو لكي لا يضيف أعباء غير ضرورية على حياة الناس المتعبين، ولا يفرض مسارات تنشئة معقدة وشاقة للاستمتاع بما يقدمه لنا الرب بسهولة؛ ولا يضع عقبات أمام رغبة يسوع، الذي يصلي من أجل كل فرد منا ويريد شفاء الجميع، وخلاص الجميع.

القرب في الحياة. لقد التقى يسوع تلاميذه الأوائل على شواطئ بحيرة الجليل، فيما كانوا منهمكين بعملهم؛ هو لم يلتقي بهم في مؤتمر أو في منتدى تنشئة وبالتالي فإن إعلان خلاص يسوع يبلغ الأشخاص دائمًا حيثما يكونوا وكما هُم. إن حياة الجميع اليومية الطبيعية هي المكان والحالة التي يمكن فيها لكل من اختبر محبّة المسيح ونال عطيّة الروح القدس أن يقدّم دليلًا للإيمان والرجاء والمحبة للذين يطلبونه.
ولكنّه يسير مع الآخرين والى جانب الجميع. لا سيما في الوقت الذي نعيش فيه ، لا يتعلق الأمر باختراع دورات تدريبية "مخصصة" ، أو إنشاء عوالم موازية ، أو بناء فقاعات إعلامية لترديد شعارات المرء ، أو إعلانات النوايا ، التي يتم اختزالها إلى طمأنينة "الاسماء التعريفية" . لقد تذكرت مرات أخرى ، على سبيل المثال ، أنه في الكنيسة هناك أولئك الذين يستمرون في ترديد شعار "حان وقت العلمانيين!" ، ولكن في هذه الأثناء يبدو أن الساعة قد توقفت.

"الحسّ الايماني لشعب الله" ، هناك واقع في العالم له نوع من "حاسة الشم" للروح القدس وعمله. إن شعب الله ، الذي دعاه وأحبه يسوع ، هو الذي يستمر بدوره في البحث عنه ويسأل عنه دائمًا في هموم الحياة. يتوسل شعب الله عطية الروح القدس : وينتظر برجاء مصليّاً بكلامٍ بسيط ، ولكنّه يتوقّف مفترضاً الاكتفاء الذاتي. إن شعب الله المقدس الذي جمعه ومسحه الرب قد أصبح معصومًا عن الخطأ "في العقيدة" ، كما يعلّم التقليد الكنيسي بحكم هذه المسحة . إن عمل الروح القدس يمنح شعب المؤمنين "غريزة" الإيمان - الحس الإيماني - الذي يساعد الشعب على عدم ارتكاب الأخطاء عندما يؤمن بأمور الله ، حتى لو لا يعرف المنطق اللاهوتي وصيغه لتحديد المواهب التي يختبرها. إن سر الشعب الذي يحج والذي يسير بروحانيته الشعبية نحو المزارات ويوكل نفسه إلى يسوع ومريم والقديسين ، يشكّل التعبير الطبيعي امام مبادرة الله الحرة والمجانية ، دون ان يتبع خطط التعبئة الرعوية.

تفضيل الصغار والفقراء. إنَّ كلَّ دفع رسولي، إذ يحرّكه الروح القدس، يُظهر التفضيل للفقراء والصغار كعلامة وانعكاس لتفضيل الرب لهم. ولذلك يجب على الأشخاص الملتزمين بشكل مباشر في مبادرات الكنيسة والهيكليات الرسوليّة ألا يبرروا أبدًا عدم اهتمامهم بالفقراء بحجة ضرورة تركيز طاقاتهم على أولويات الرسالة. إن تفضيل الفقراء ليس خيارًا اختياريًا للكنيسة.

الديناميكيات والأساليب الموصوفة أعلاه هي جزء من رسالة الكنيسة ، التي يحركها الروح القدس. وغالباً ما يتمّ التأكيد على اهميّة وضرورة وجود الروح القدس كمحور الرسالة في الاعلانات والخطابات الكنسية . ولكن يحدث أيضًا أن هذا الاعتراف يُختزل إلى نوع من "تكريم رسمي" للثالوث الاقدس ، وهي صيغة تمهيدية تقليدية للمداخلات اللاهوتية والخطط الرعوية. هناك العديد من المواقف في الكنيسة ، حيث تبقى أسبقية النعمة فقط نظرية وصيغة مجردة. ويحدث أن العديد من المبادرات والهيئات ذات الصلة بالكنيسة تنتهي باعتماد المرجعية الذاتية في النهاية بدلاً من السماح للروح القدس ان يعمل ويتألق من خلالها . يبدو أن العديد من الأنظمة الكنسية على كل مستوياتها ، قد انغمست في هاجس الترويج لأنفسها ولمبادراتها كما لو كان هذا هو هدف وأفق رسالتهم.

حتى الآن ، أردت أن أعيد اقتراح بعض المعايير والأفكار المتعلّقة برسالة الكنيسة ، والتي سبق أن أوضحتها بطريقة أكثر مفصّلة في الإرشاد الرسولي " فرح الانجيل". لقد فعلت ذلك لأنني أعتقد أنه من المفيد والمثمر - وغير القابل للتأجيل - أن تعتمد الاعمال الرسولية البابوية تلك المعايير والاقتراحات في هذا الجزء من مسيرتها.

الاعمال الرسولية البابوية والوقت الحالي
المواهب الذي يجب تنميتها والامراض التي يجب تجنّبها


أين يجب أن نبحث عن حاضر ومستقبل الاعمال الرسولية البابوية؟ وما هي الاعراض التي تثقل كاهل مسيرتها؟
بالنظر الى شكلها، تنعم الاعمال الرسولية البابوية بسمات مميزة معينة ؛ بعضها ، إذا جاز التعبيرموروث وبعضها مكتسبٌ على طول المسار التاريخي والتي غالبًا ما يتم تجاهلها أو اعتبارها مفروضة.
وانّ هذه السمات هي التي تحمي مساهمة هذه "الشبكة" في الرسالة العالمية التي تُدعى إليها الكنيسة بأكملها وأن تجعلها ثمينة ، خاصة في الوقت الحاضر. انّ الأعمال الرسولية البابوية قد ولدت من الحماسة الرسولية التي يُعبَّر عنها إيمان المعمَّدين، وهي ترتبط بحس الإيمان لدى شعب الله. وقد سارت على الدوام في مسارين وهما الصلاة والمحبة في طبيعتهما الأولية كانتا دائمًا مألوفتين لقلب شعب الله واخذتا شكل الصدقة وهي " تنجّي من الموت وتمحو الخطايا"، " المحبّة الصادقة" التي " تستّر كثيراً من الخطايا".(1 بطرس 4،8). لم يؤلّف المبادرون بالأعمال الرسولية ، بدءاً من بولين جاريكو ، الصلوات والاعمال بهدف تحقيق رغباتهم فيما يتعلق بإعلان الإنجيل ، لكنهم ببساطة استمدوها من الكنز الذي لا ينضب من أكثر الممارسات المألوفة لشعب الله بحسب مسيرته في التاريخ.

أن الأعمال الرسولية البابوية قد حصلت على تقدير كنيسة روما واساقفتها لطابعها البسيط والمجاني والملموس ولهذا اطلِقت عليها صفة "بابوية". وبالتالي تميّزت بكونها آداة في خدمة الكنائس الخاصة في رسالة اعلان الانجيل ضمن الخدمة الشاملة التي يقوم بها البابا وكنيسة روما التي ترأس من خلال المحبّة. وبهذه الطريقة ، وبمسارها الخاص ، ودون الدخول في نزاعات لاهوتية معقدة ، أنكرت الاعمال الرسولية البابوية حجج أولئك الذين ، حتى في الدوائر الكنسية ، يعارضون بشكل غير صحيح الروحانيات والمؤسسات ، ويقرؤون دائمًا العلاقات بين هذه الحقائق من خلال "جدلية المبادئ"الخادعة. بينما في الكنيسة ، حتى العناصر الهيكلية الدائمة - مثل الأسرار والكهنوت والخلافة الرسولية - يجب أن يعاد تكوينها باستمرار من قبل الروح القدس ، ولا تكون متاحة للكنيسة كهدف للحيازة المكتسبة (راجع خطاب الكاردينال راتسينغر الى الحركات الكنسية وموقعها اللاهوتي ، خطاب في المؤتمر العالمي للحركات الكنسية ، روما ، 27-29 ايّار 1998).

تم تنظيم الأعمال الرسولية ، منذ بداية انتشارها الأول ، كشبكة منتشرة على نطاق واسع بين شعب الله ، مترسخةً بالكامل وفي الواقع "محوريًة" لشبكة المؤسسات الموجودة مسبقًا وواقع الحياة الكنسية ، مثل الأبرشيات والرعايا والجماعات الدينية. لم تُعتبر دعوات الأشخاص المنخرطين في الأعمال الرسولية البابوية "طريقةً بديلة" او انتماء "خارجياً" بالنسبة لأشكال الحياة العادية لكنائس معينة. وكانت ممارسة الصلوات وجمع التبرّعات من أجل الرسالة خدمة للشراكة الكنسية.

تعكس الأعمال الرسولية ، التي أصبحت مع مرور الوقت شبكة واسعة الانتشار في جميع القارات ، ، تنوعًا في اللهجات والظروف والمشكلات والعطايا التي تميز حياة الكنيسة في أماكن مختلفة من العالم من خلال تكوينها ، وبالتالي تعددية يمكنها أن تحمي من الموافقات الأيديولوجية والانفرادية الثقافية. وبهذا المعنى ، يمكن اختبار سر شمولية الكنيسة من خلال الاعمال الرسولية البابوية ، حيث يخلق العمل المستمر للروح القدس التناغم بين الأصوات المختلفة ، في حين يمارس أسقف روما من خلال الاعمال الرسولية البابوية خدمته بمحبّة ويحافظ على الوحدة في الإيمان. يمكن ان تساعد كل الخصائص الموصوفة حتى الآن الاعمال على تجنب المزالق والأمراض الوشيكة على مسارها ومسار العديد من المؤسسات الكنسية الأخرى وأود أن أشير إلى البعض منها.

المزالق التي يجب تجنّبها

المرجعيّة الذاتيّة - تنتهي العديد من المنظمات والكيانات الكنسية في بعض الأحيان بالانغلاق على نفسها بغض النظر عن النيّات الحسنة للأفراد وتكرس الطاقة والاهتمام قبل كل شيء للترويج الذاتي الخاص بها والاحتفال بالمبادرات الخاصة. ويبدو أن هاجس البعض الآخر هو إعادة تعريف أهميتها ومساحاتها داخل الكنيسة باستمرار مبررة ذلك بانّه في سبيل إحياء الرسالة بشكل أفضل. وبهذه الطرق - قال الكاردينال جوزيف راتزينجر آنذاك - يتم تناقل الفكرة الخادعة.... بأن الشخص هو أكثر مسيحية كلما كَثُرَ انخراطه في هيكليات الكنسية ، في حين أن كل المعمدين تقريبًا يعيشون الإيمان والرجاء والمحبّة في حياتهم العادية ، من دون الظهور في اللجان الكنسية ودون التعامل مع أحدث التطورات في السياسة الكنسية (راجع مؤتمر لقاء ريميني ، 1 ايلول 1990).

قلق القيادة- يحدث أحيانًا أن المؤسسات والهيئات التي نشأت لمساعدة الجماعات الكنسية والتي تخدم بحسب ثمار الروح القدس التي اعطيت لها ، تدّعي بمرور الوقت أنها تمارس السيادة ووظائف التحكم إزاء الجماعات التي يجب أن تخدمها. ويقترن هذا الموقف دائمًا تقريبًا بإدّعاء ممارسة دور موزعي "الودائع" والتراخيص الشرعية تجاه الآخرين. في الواقع وفي هذه الحالات ، نتصرف كما لو كانت الكنيسة نتيجة تحليلاتنا وبرامجنا واتفاقياتنا وقراراتنا.

النخبوية- يسود غالباً بين أولئك الذين هم جزء من الكيانات والمنظمات الكنيسة الشعور النخبوي عدة مرات ، والفكرة غير المعلنة للانتماء إلى الأرستقراطية، الى فئة متفوقة من المتخصصين الذين يحاولون توسيع مساحاتهم بالتواطؤ أو في منافسة مع النخب الكنسية الأخرى ، وتدريب أعضائها وفقًا للأنظمة الدنيوية ومنطق التشدد أو الكفاءة الفنية المهنية ، دائمًا بقصد أساسي وهو تعزيز امتيازاتهم كقلّة.

العزلة عن الشعب - يرافق الإغراء النخبوي في بعض الوقائع المرتبطة بالكنيسة أحيانًا شعورٌ بالتفوق وعدم التسامح تجاه العديد من المعمّدين ، وتجاه شعب الله الذي ربما يحضر الرعايا والمزارات ، لكنه لا يتألف من "الناشطين" والعاملين في المنظمات الكاثوليكية. وفي هذه الحالات ، يُنظر إلى شعب الله أيضًا على أنه كتلة خاملة ، والتي تحتاج دائمًا إلى إحياء وتنشيط من خلال "الوعي" ليتم تحفيزها من خلال التفكير والدعوات والتعاليم. ويتصرف الاشخاص كما لو كان يقين الإيمان نتيجة الكلام المقنع أو أساليب التدريب.


التجريد- تفقد الكائنات والوقائع المرتبطة بالكنيسة ، عندما تصبح مرجعية للذات ، الاتصال بالواقع وتصاب بمرض التجريد. تتضاعف الأماكن غير الضرورية لوضع استراتيجية ، لإنتاج المشاريع والمبادئ التوجيهية التي تعمل فقط كأدوات للترويج الذاتي لأولئك الذين اخترعوها. يتم أخذ المشاكل وتقسيمها في المختبرات الفكرية ، حيث يتم ترويض كل شيء ، ورسمه وفقًا للمفاهيم الإيديولوجية للتفضيل. وحيث يتبلور كل شيء ، خارج السياق الحقيقي ، في محاكاة ، حتى الإشارات إلى الإيمان أو الإشارات اللفظية إلى يسوع والروح القدس.


المنفعيّة الوظيفية - غالبًا ما ينتهي الأمر بالمؤسسات الذاتية المرجعية والنخبوية ، حتّى في الكنيسة ، إلى المراهنة بكل شيء بهدف تقليد نماذج الفعاليّة الدنيوية ، مثل تلك التي تفرضها المنافسات الاقتصادية والاجتماعية . ويضمن اختيار الوظيفية الوهمية "حلولاً للمشكلات" بالتوازن ، وإبقاء الأمور تحت السيطرة ، وزيادة أهميتها ، وتحسين الإدارة العادية للإدارة الحالية. لكن كما أخبرتكم بالفعل في الاجتماع الذي عقدناه في عام 2016 ، فإن الكنيسة التي تخشى أن تثق بنعمة المسيح وتركز على فعّالية الأجهزة قد ماتت بالفعل ، حتى لو كانت الهيكليات والبرامج لصالح رجال الدين والعلمانيين الذين يعملون "لحسابهم الخاص "مستمرّة لقرون.


ارشادات من اجل المسيرة

بالنظر إلى الحاضر والمستقبل ، وأيضًا في البحث عن الموارد للتغلب على مخاطر مسيرة الاعمال الرسولية البابوية والمضي قدمًا ، أسمح لنفسي بتقديم بعض الاقتراحات للمساعدة في التمييز. ونظرًا لأنكم قد شرعتم أيضًا في عملية "اصلاح" الاعمال الرسولية البابوية ، والتي تريدون أن تكون مستوحاة من ارشادات البابا ، فإنني أقدم لكم المعايير والاقتراحات العامة ، دون الخوض في التفاصيل ، خصوصاً أن السياقات المختلفة قد تتطلب تعديلات وتباينات.


1)حاولوا قدر المستطاع، ودون القيام بالكثير من التكهنات حول هذا الموضوع ،أن تحفظ الأعمال الرسولية البابوية وتعيد اكتشاف حضورها وسط شعب الله وظروف الحياة الحقيقية التي ولدت فيها.
وتغوص في حياة الأشخاص الحقيقية. انّ الخروج من الانغلاق على المشاكل االذاتية هو جيد عندما نتبع يسوع ومن المفيد إعادة دمج الاعمال الرسولية البابوية في الشبكة الكنسية (الأبرشيات والرعايا والجماعات والمجموعات). يمكنها ايضاً تجنّب الوقوع في التجريد اذا تمّ تعزيز انبثاقها من شعب الله بأضوائه وصعوباته. انّ الحاجة إلى تقديم الاجوبة على الأسئلة والحاجات الحقيقية هي اكثر اهميّة من مضاعفة الاقتراحات. ربما في التعامل مع الحياة اليومية ، وليس من العلويات المغلقة ، أو من التحليلات النظرية للديناميكيات الداخلية ، يمكن أن تأتي الرؤى المفيدة لتغيير وتحسين الإجراءات العملية، وتكييفها مع السياقات والظروف المختلفة.


2) كما أقترح أن تحافظ الأعمال الرسولية البابوية على ممارسة الصلاة وجمع الموارد من أجل الرسالة لانّهما تعبّران عن إيمان شعب الله ومن المناسب ألا يتم نسيان أو تشويه هذه الطبيعة الاساسية للاعمال الرسولية مع كل التعديلات والتكيفات المطلوبة . وان نوجّه الصلاة إلى الرب ليفتح القلوب على الإنجيل والابتهال لكي يدعم الجميع أيضًا العمل الارسالي بشكل ملموس. هناك بساطة وواقعية في عيش الوقت الحاضر حتى في ظلّ الجائحة ، تتضاعف الرغبة في اللقاء والتواجد بقرب كل ما هو كنيسة. ابحثوا على الدوام عن دروب جديدة بدون أن تعقّد ما هو سهل وبسيط.

3) ينبغي على الأعمال الرسولية البابوية أن تعاش كأداة خدمة للرسالة في الكنائس الخاصة،ضمن أفق رسالة الكنيسة ، التي تحتضن العالم أجمع دائمًا. وهذه هي مساهمتها القيمة في إعلان الإنجيل.
نحن مدعوون جميعًا لحماية براعم الحياة اللاهوتية التي يصنعها روح المسيح وتنمو حيث يريد حتى في الصحاري من أجل المحبّة والامتنان في الاعمال الرسولية . اطلبوا اوّلاً أن يجعلنا الرب جميعًا أكثر استعدادًا لفهم علامات عمله ثم نقوم بتوجيهها إلى العالم كله. لنطلب الاّ يقتصر حلول الروح القدس على قلوبنا على إفتراض عقيم وزائد عن لقاءاتنا وعظاتنا فهذا وحده يمكن أن يكون مفيدًا
إذ لا حاجة لخبراء استراتيجيين أو لمراكز إداريّة للرسالة، نوكل إليهم مهمة إيقاظ الروح الإرسالي أو منح "التراخيص الارسالية" للآخرين. وإذا ضعفت حماسة الرسالة في بعض الحالات فهذا دليل على
قلّة الإيمان. وفي هذه الحالات ، فإن المطالبة بإحياء الشعلة التي تطفأ بالاستراتيجيات والخطابات ينتهي بها الأمر إلى إضعاف الرسالة أكثر وتقود فقط الى الصحراء.


4) انّ طبيعة الاعمال الرسولية البابوية تقتضي العمل على الدوام في علاقة مع جميع الوقائع والمواقف والأحداث التي تشكل جزءًا من التدفق الكبير لحياة الكنيسة في جميع القارات. وفي هذا التدفق ، يمكن أن تصادف العديد من الاثقال والتصلب في الحياة الكنسية ، ولكن أيضًا في مواهب الشفاء والتعزية المجانية التي يعطيها الروح القدس في الحياة اليومية لما يمكن تسميته "الطبقة الوسطى من القداسة". ويمكنكم أن تفرحوا وتبتهجوا ، وتستمتعوا باللقاءات التي تقومون بها من خلال نشاطكم في الاعمال الرسولية البابوية وتتفاجأوا بها. أفكر في القصص التي تروي العديد من المعجزات بين الأطفال الذين يلتقون ييسوع من خلال المبادرات التي تقترحها الطفولة المرسلة. ولذلك لا يجب ان تحبس الاعمال الرسولية نفسها في الابعاد البيروقراطية المهنية البحتة. لا يمكن أن يكون هناك بيروقراطيون أو مسؤولون في الرسالة. ويمكن أن يصبح امتنانك بدوره هبة وشهادة للجميع. يمكنكم الإشارة لراحة الجميع ، بالوسائل التي تمتلكونها ، وبدون تصنّع ، أحداث الناس والجماعات التي يمكنكم أن تقابلوها بسهولة أكبر من الآخرين ، أشخاص وجماعات تتألق فيها معجزة الإيمان والرجاء والمحبّة بحرية .

5) وانّ الامتنان امام العجائب التي يقوم بها الرب بين محبّيه ، ويكشف للفقراء والصغار الأشياء التي اخفاها عن الحكماء (راجع متى 11 ، 25-26) ، يمكن أن يسهل عليكم أيضًا الهروب من مطبات خلوات المرجعية الذاتية والخروج من الذات ، باتباع يسوع. انّ فكرة النشاط الارسالي الذاتي المرجعية ، الذي يقضي الوقت في التأمل وتشجيع المبادرات الشخصية ، ستكون في حد ذاتها عبثية. لا تستهلكوا الكثير من الوقت والموارد "للنظر إلى انفسكم" ، لتطوير خطط ذاتية التركيز على الآليات الداخلية ، ووظائف ومهارات معداتكم. انظروا الى الخارج ، لا تنظروا في المرآة. اكسروا كل المرايا في المنزل. تهدف المعايير الواجب اتباعها ، في تنفيذ البرامج أيضًا ، إلى جعل الهكليات والإجراءات اكثر مرونة ، بدلاً من إثقال الاعمال الرسولية البابوية بعناصر أخرى . على سبيل المثال ، ليتعهد كل مدير وطني ، خلال فترة ولايته ، بتحديد أرقام بعض الخلفاء المحتملين ، بحيث يكون معياره الوحيد هو عدم الإبلاغ عن أشخاص من دائرة أصدقائه أو رفاقه من "الاتحاد" الكنسي ، ولكن الأشخاص الذين يبدو عليهم الحماس التبشيري أكثر مما لديه.


6) وبالنسبة لحملة التبرعات التي يعود ريعها للرسالة، وفي لقاءاتٍ سابقة لنا، دعوتكم لعدم تحويل الأعمال الرسولية البابوية إلى منظمة غير حكومية مكرسة بالكامل لجمع الأموال. وإن فشلت عملية جمع التبرعات على نطاق واسع في بعض المناطق، فلا يجب أن نسعى لتغطية المشكلة بمجرد البحث عن جهات مانحة كبيرة. من الجيد أن يوجَّه طلب المساعدات للرسالات في المقام الأول إلى جميع المعمدين، والتركيز بطريقة جديدة على جمع التبرعات في كنائس جميع البلدان في تشرين الاوّل، بمناسبة اليوم الإرسالي العالمي. استمرت الكنيسة دائمًا في المضي قدمًا أيضًا بفضل فلس الأرملة ، ومساهمة كل هذه المجموعات التي لا تعد ولا تحصى من الناس الذين يختبرون الشفاء والتعزية ييسوع ولهذا ، يفيضون بالامتنان ويقدمون كل ما يملكون.


7) وبالنسبة الى حملة التبرعات التي يتمُّ جمعها، فمن الضروري أن توزّع لدعم الهيكليات والمشاريع التي تخدم الرسالة واعلان الانجيل في مختلف الطرق وفي أجزاء مختلفة من العالم. ولتؤخذ بعين الاعتبار الاحتياجات الأساسية للجماعات، وأن يتمَّ تجنُّب أشكال المساعدات التي تغذّي في الكنيسة أيضًا ظواهر "الرعاية الطفيلية". ومن خلال مساهمتكم ، اهدفوا إلى إعطاء إجابات ملموسة للاحتياجات الموضوعية ، دون هدر الموارد في المبادرات التي تتميز بالتجريد أو المرجعية الذاتية أو المولود من النرجسية الكهنوتية لشخص ما. لا تستسلموا لعقد الدونية أو إغراءات المحاكاة تجاه تلك المنظمات فائقة الوظائف التي تجمع الأموال لقضايا عادلة ، ثم تُستخدم بنسبة جيدة لتمويل معداتها والإعلان عن علاماتها التجارية. حتى أن ذلك يصبح أحيانًا طريقة لرعاية االاهتمامات الخاصة أولاً ، بينما تعمل لصالح الفقراء والمحتاجين في الظاهر.


8) امّا بالنسبة الى الفقراء ، لا تنسوهم أيضًا. كانت هذه هي التوصية التي أعطاها الرسل بطرس ويوحنا ويعقوب الى بولس وبرنابا وتيتوس في مجمع اورشليم عندما تناقشوا في رسالتهم بين الذين لم يلزموا الختان "وهو أن نتذكر الفقراء" (غلا 2 ، 10). وبعد هذه التوصية ، نظم بولس " جمع الصدقات" من اجل الإخوة في كنيسة اورشليم (راجع 1 كو 16: 1). انّ الميل الى الفقراء والصغار جزءٌ من رسالة إعلان الإنجيل منذ البداية. وتُظهر أعمال المحبة الروحية والجسدية تجاههم "تفضيلًا إلهيًا" يستدعي حياة إيمان جميع المسيحيين ، المدعوين إلى أن يكون فيما بينهم الشعور الذي هو أيضا في المسيح يسوع (راجع فيل 2: 5).


9) أنَّ الأعمال الرسولية البابوية، من خلال شبكتها، تعكس شعبًا له ألف وجه بنعمة يسوع المسيح وحماسه الارسالي الذي يتفاوت بحسب الزمان والمكان. وفي اعلان موت وقيامة يسوع المسيح، يُعبَّر عن هذه الحماسة بطرقٍ وسياقات مختلفة. ولا يمكن ان يفرض على الأعمال الرسولية البابوية شكلًا ثقافيًا محددًا في اعلان الإنجيل، وفي لقاء الثقافات الجديدة التي لم تقبل المسيحية. انّه من الأفضل اليوم الحفاظ على وجه الاعمال المتنوّع ومرجعيتها الاساسية للإيمان اذ يمكن ان تطغى المطالبة بتوحيد شكل الإعلان المسيحي أيضًا على سمة الايمان المسيحي العالمية ، خصوصاً عند اعتماد الشعارات المروّج لها اليوم في بعض البلاد التي تسيطر ثقافياً وسياسياً على العالم. أنَّ الأعمال الرسولية البابوية تتميّز بالرابط مع الأب الأقدس وكنيسة روما الذي يمثل مورداً ودعماً للحريّة ، مما يساعد الجميع على تجنّب السبل العابرة للمدارس الفكرية الاحادية او التوازي الثقافي ذي بصمة الاستعمار الجديد. وهي ظواهر واضحة ايضاً في السياقات الكنسية.


10) أنَّ الأعمال الرسولية البابوية ليست كيانًا في حد ذاتها ، معلقة في الفضاء ومن بين خصوصياتها هناك الرابط مع الأب الأقدس، اسقف روما الذي يرأس بمحبّة. من الجميل والمريح أن ندرك أن هذا الرابط يتجلى في عمل يتم في فرح ، دون السعي إلى التصفيق أو تقديم مطالبات. وانّ الاعمال الرسولية تتشابك في خدمتها المجانية مع خدمة البابا ، خادم خدّام الله. وبالتالي اطلب منكم ان يكون قربكم من اسقف روما على الشكل التالي: مشاركة محبّة الكنيسة التي هي انعكاس لمحبّة المسيح الذي عاش ومات بصمت، دون تبجج، ودون ان يحدّد “مساحاته”. وان يكون عملكم اليومي مبنياً على المحبّة والمجانية. لتساعد الاعمال الرسولية البابوية عدداً لا يحصى من الأشخاص الذين يشعرون بالامتنان من الداخل ، ولكنهم ربما لا يعرفون حتى من يشكرون لانّهم لا يعرفون الاشخاص وراءها. وبهذا يتحقق سر المحبة في الكنيسة. لنواصل المضي قدما معا ، سعيدين بالتقدم بين التجارب بفضل هبات ومواساة الرب. بينما ، في كل خطوة ، نعي فرح أن نكون جميعًا خدّام عديمي الفائدة ، بدءًا مني.


الختام

انطلقوا بحماس فهناك أشياء كثيرة على الطريق تنتظركم للقيام بها. وإذا كانت هناك تغييرات يجب ان تخضع لها الإجراءات ، فمن الجيد أن تهدف إلى التخفيف ، وليس الى تثقيل المعاملات ؛ التي تهدف إلى اكتساب المرونة التشغيلية ، وليس إلى إنتاج أنظمة انقلابية أكثر صرامة ومهددة دائمًا. واعلموا انّ اعتماد المركزية المفرطة يمكن أن تعقد الديناميكيات التبشيرية بدلاً من مساعد تها. وحتى التعبير الوطني البحت للمبادرات يعدّل في طبيعة الاعمال الرسولية البابوية ، فضلا عن تبادل الهبات بين الكنائس والجماعات المحلية التي تعتبر بمثابة ثمرة وعلامة ملموسة لأعمال المحبّة بين الإخوة ، بالتواصل مع أسقف روما.

على أي حال ، اطلبوا دائمًا أن يُنير كل اعتبار يتعلق بهيكلية الاعمال الرسولية البابوية الشيء الوحيد الضروري: القليل من الحب الحقيقي للكنيسة ، باعتباره انعكاسًا لمحبة المسيح. يتمحور دوركم حول خدمة الحماسة الرسولية ، أي إلى زخم الحياة اللاهوتية التي لا يمكن إلا للروح القدس أن يعمل في شعب الله. قوموا بعملكم جيداً ، "كما ولو أن كل شيء يتعلّق بكم، عالمين في الواقع أنَّ كل شيء متعلّق بالله". (القديس اغناطيوس لويولا). كما قلت لكم في أحد اجتماعاتنا ، كونوا مستعدّين مثل مريم. عندما ذهبت إلى إليصابات ، لم تقم بذلك كمبادرة فردية ولكنّها ذهبت كخادمة للرب يسوع ، الذي حملته في بطنها. لم تقل شيئًا عن نفسها ، أحضرت الابن فقط وسبّحت الله ، ولم تكن بطلة الرواية بل كخادمة الشخص الذي هو بطل الرسالة الوحيد. لكنها لم تضع أي وقت وذهبت في عجلة من أمرها لتعتني بنسيبتها . وهي تعلمنا هذا الاستعدا وهذه الامانة في الإخلاص والشغف

فلتحفظكم السيدة العذراء ولتحفظ الاعمال الرسولية البابوية وليبارككم ابنها ربنا يسوع المسيح؛ هو الذي وعدنا قبل الصعود إلى السماء بانّه سيكون معنا دائماً حتى نهاية الدهر.

روما ، كاتدرائية القديس يوحنا اللاتراني ، في 21 ايّار 2020 ، عيد صعود الرب

فرنسيس


مشاركة: