مسودة الرسالة الختامية للسينودس الخاص بإفريقيا: "إلى القوى العظمى في العالم، نوجه هذه الدعوة: عاملي إفريقيا باحترام وإجلال"

الجمعة, 23 أكتوبر 2009

حاضرة الفاتيكان (وكالة فيدس) – قبيل ختام السينودس في 23 اكتوبر، أصدر آباء السينودس رسالة هتامية ننشر في ما يلي ملخصاً عنها:
"خمسة عشرة سنة مضت على الجمعية الأولى التي عقدت سنة 1994. ولطالما كانت تعاليم وتوجيهات الإرشاد الرسولي ما بعد السينودس "الكنيسة في إفريقيا" دليلاً فعالاً لجهودنا الرعوية... فيما نستعد للتفرق في مختلف مناطق خدمتنا، بالتزام وشجاعة متجددين، نتمنى توجيه هذه الرسالة إلى الكنيسة جمعاء، عائلة الله، وبخاصة إلى الكنيسة في إفريقيا:

النظر إلى إفريقيا حالياً
نعيش في عالم مليء بالتناقضات والأزمات العميقة. ما تزال الأوضاع المأساوية المتمثلة باللجوء والفقر المدقع والأوبئة والجوع تقتل آلاف البشر يومياً. على الرغم من الموارد البشرية والطبيعية الغنية، ما يزال عدد كبير من أبناء شعبنا يتخبط في الفقر والبؤس، والحروب والصراعات، والأزمات والفوضى...مع ذلك يجب على إفريقيا ألا تيأس أبداً. ما تزال البركات الإلهية وافرة بانتظار استخدامها بحذر وإنصاف لمصلحة أبنائها.

على ضوء الإيمان

ندعو الجميع إلى السماح لأنفسهم بالمصالحة مع الله. هذا ما يفتح المجال أمام المصالحة الحقيقية بين البشر. وهذا ما يكسر الحلقة المفرغة من العدائية والثأر والهجوم المضاد. في كل ذلك، تبرز أهمية فضيلة المغفرة حتى قبل الاعتراف بالذنب. لا بد للأشخاص القائلين بأن المغفرة غير فعالة من اختبار مساوئ الثأر. إن المغفرة الحقيقية تعزز عدالة التوبة والتكفير عن الذنوب، وتؤدي إلى سلام وصولاً إلى جذور الصراع جاعلة من الضحايا والأعداء السابقين أصدقاءً وإخوة وأخوات.

إلى الكنيسة في العالم
لقد اتخذ الكرسي الرسولي العديد من المبادرات المباشرة من أجل مصلحة إفريقيا وتنميتها. ويتجلى أحد الأمثلة عن ذلك في مؤسسة الساحل لمكافحة التصحر في المناطق الساحلية. كذلك لا يسعنا الانتقاص من أهمية الخدمات الكبيرة التي يؤديها الممثلون الحبريون في كنائسنا المحلية...إن حضور الممثلين من القارات الأخرى في هذه الجمعية ومشاركتهم الفعالة فيها يؤكدان على رابط قربنا الفعال والمؤثر. يوجد رابط تاريخي استثنائي بين أوروبا وإفريقيا. لذا، لا بد من ترسيخ العلاقة القائمة بين الهيئتين الأسقفيتين القاريتين، أي بين اتحاد المجالس الأسقفية في أوروبا ومؤتمر المجالس الأسقفية في إفريقيا ومدغشقر.
إن الكنيسة في إفريقيا تشكر الله على أبنائها وبناتها المبشرين في قارات أخرى. في هذا الإطار من تبادل الهبات المقدس، من المهم أن يستمر جميع أصحاب المسؤولية في العمل من أجل علاقة شفافة وعادلة وكريمة ومسيحية. خلال دورة السينودس، قبلت الكنيسة في إفريقيا تحدي الاهتمام بالأشخاص المتحدرين من أصل إفريقي في قارات أخرى، وبخاصة في الأميركيتين.

الكنيسة في إفريقيا
يجب على كل أسقف أن يضع مسائل المصالحة والعدالة والسلام على رأس جدول الأعمال الرعوية في أبرشيته. لا بد له من ضمان تأسيس لجنة للعدالة والسلام على كافة المستويات. ولا بد لنا من بذل قصارى جهدنا لتنشئة الضمائر وتبديل القلوب، من خلال تعليم ديني فعال على كافة المستويات، تعليم يسمو فوق "التعليم الديني البحت" للأطفال والموعوظين الجدد الذين يستعدون للأسرار. إننا بحاجة إلى وضع برنامج تنشئة مستمر لكل المؤمنين، وبخاصة لأصحاب المراكز المرموقة في السلطة. ويجب أن تكون أبرشياتنا مثالاً للحكم الرشيد والشفافية والإدارة المالية الجيدة. ينبغي علينا أن نستمر في بذل الجهود لمعالجة مشكلة الفقر، العائق الأساسي أمام عملية السلام والمصالحة. هنا لا بد من الاهتمام باقتراحات برامج التمويل الجزئي. ختاماً، ينبغي على الأسقف رأس الكنيسة المحلية أن يحث المؤمنين على تأدية دورهم المناسب في التخطيط للسياسات الأبرشية وبرامج المصالحة والعدالة والسلام وصوغها وتطبيقها وتقييمها... أصبحت إفريقيا في السنوات الأخيرة أرضاً خصبة للدعوات الرهبانية: كهنة وإخوة وأخوات. نشكر الله على هذه البركات العظيمة. ما من مبرر للبقاء جهلاء في الإيمان. في هذا الصدد، أوصى الإرشاد الرسولي ما بعد السينودس "الكنيسة في إفريقيا" بتأسيس جامعات كاثوليكية. نشكر الله على ظهور العديد من هذه المؤسسات خلال السنوات الـ15 الماضية وعلى الإعداد لمؤسسات أخرى. نلتفت الآن إلى العائلات الكاثوليكية العزيزة في إفريقيا. نهنئك على تشبثك بمثل العائلة المسيحية وحفاظك على أفضل قيم لعائلتنا الإفريقية. نوصيك بالحذر من بعض السموم الإيديولوجية القاتلة التي تصدر عن الخارج وتدعي أنها ثقافة "معاصرة"... ندعو الحكومات والسلطات المدنية إلى أن تتذكر أن الأمة التي يدمر تشريعها العائلات، تصاب هي أيضاً بالأذى. إن العائلات تطلب فقط ضروريات البقاء على قيد الحياة لأن لها الحق في الحياة. يحمل السينودس كلمة خاصة لكن أيتها النساء الكاثوليكيات. إن السينودس يوصي كنائسنا المحلية بالعمل على نطاق أبعد من البيان العام للكنيسة في إفريقيا ووضع بنى ملموسة لضمان مشاركة النساء الفعلية "على مستويات ملائمة". لقد منحنا الكرسي الرسولي مثالاً جيداً في هذا الصدد من خلال تعيين نساء في مناصب مهمة. كذلك يدعوكم السينودس أيها الرجال الكاثوليك إلى تأدية أدواركم المهمة كآباء مسؤولين وأزواج صالحين ومؤمنين. اتبعوا مثال القديس يوسف. ختاماً، نتوجه إليكم أبناؤنا وبناتنا، الشباب في جماعاتنا. أنتم لستم فقط مستقبل الكنيسة: أنتم تشكلون جزءاً منا بأعدادكم الغفيرة. أنتم الذين غالباً ما تستخدمون وتجندون لأعمال العنف. لذا نحث كل الكنائس المحلية على النظر إلى خدمة الشبيبة كأولوية سامية.

دعوة للأسرة الدولية
إن عائلة الله تتجاوز الحدود المرئية للكنيسة لتشمل البشرية جمعاء. عندما يتعلق الأمر بمسائل المصالحة والعدالة والسلام، نلتقي جميعاً عند مستوى بشريتنا العميق. هذا المشروع يعنينا جميعاً ويدعونا إلى التحرك المشترك... على العموم، تقوم وكالات الأمم المتحدة بعمل جيد في إفريقيا في مجالات التنمية وحفظ السلام والدفاع عن حقوق المرأة والطفل ومكافحة الفقر والأوبئة: فيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز، الملاريا، والسل وغيرها. يشيد السينودس بالعمل الجيد الذي تقوم به. ومع ذلك، ندعوها إلى أن تكون أكثر شفافية وثباتاً في تطبيق برامجها. إن الكنيسة لا يعلى عليها في مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز والعناية بالمصابين به في إفريقيا. يشكر السينودس جميع العاملين بسخاء في هذه الرسالة الصعبة من المحبة والعناية. ونناشد بالحصول على الدعم المتواصل في سبيل تلبية احتياجات كثيرين للمساعدة (الكنيسة في إفريقيا، 31). يحذر هذا السينودس مع الأب الأقدس بندكتس السادس عشر، من عدم القدرة على التغلب على هذه المشكلة من خلال توزيع الواقيات. وندعو جميع المهتمين بوضع حد للانتقال الجنسي لفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز إلى إدراك النجاح الذي أحرزته البرامج التي تقترح الامتناع للعازبين والأمانة للمتزوجين. إلى القوى العظمى في العالم، نوجه هذه الدعوة: عاملي إفريقيا باحترام وإجلال. تدعو إفريقيا إلى تغيير في النظام الاقتصادي العالمي المؤلف من بنى ظالمة تثقل كاهلها. وتظهر الاضطرابات الأخيرة في عالم المال الحاجة إلى تغيير جذري في القواعد. لكن من المأساوي إجراء التعديلات فقط لمصلحة الأغنياء ومجدداً على حساب الفقراء. فالكثير من الصراعات والحروب والفقر في إفريقيا ينشأ عن هذه البنى الجائرة.
إن النظام العالمي الجديد والعادل ليس فقط ممكناً بل ضرورياً لخير البشرية. هنا يتم توجيه دعوة إلى إجراء تعديل في عبء الديون على الأمم الفقيرة الذي يقتل الأطفال. يجب أن تتوقف الشركات المتعددة الجنسيات عن تدمير البيئة من خلال استغلالها الجشع للموارد الطبيعية.

إفريقيا، إنهضي!
يقال أن مهد الأجناس البشرية موجود في إفريقيا. شهدت قارتنا تاريخاً طويلاً من الامبراطوريات العظمى والحضارات الشهيرة. إلا أن تاريخ القارة المستقبلي لم يكتب بعد. لقد باركنا الله بالموارد الطبيعية والبشرية الهائلة. إننا نشيد بالجهود المبذولة من أجل تحرير إفريقيا من الاختلال الثقافي والاسترقاق السياسي. الآن يجب أن تواجه إفريقيا تحدي منح أبنائها ظروف عيش كريم. يهنئ السينودس بفرح بعض البلدان الإفريقية التي بدأت تسير على درب الديمقراطية الحقيقية. إنها تشهد الآن الأرباح الجيدة التي يتم كسبها من خلال السلوك الجيد. يشعر السينودس بالأسى عندما يلاحظ أن الوضع في العديد من البلدان مخزٍ جداً. نفكر بخاصة في الوضع المحزن في بلاد الصومال التي تغرق في دوامة من الصراع العنيف منذ حوالي عقدين مما يؤثر على البلدان المجاورة لها. وتجدر الإشارة أيضاً إلى الوضع المأساوي الذي يعيشه ملايين الأشخاص في منطقة البحيرات الكبرى، والأزمة القائمة في شمال أوغندا وجنوب السودان ودارفور وغينيا كوناكري وغيرها من المناطق...ها هي تداعيات كل ذلك تتضح أمام العالم أجمع: الفقر، البؤس والمرض؛ اللاجئين ضمن البلد عينه وفي الخارج؛ السعي وراء الأراضي الخصبة مما يؤدي إلى هجرة الأدمغة؛ الهجرة السرية والاتجار بالبشر والحروب وإراقة الدماء بالوكالة أحياناً، فظاعة تجنيد الأطفال والعنف المرتكب ضد المرأة. كيف يمكن للمرء أن يفتخر بـ "رئاسة" فوضى مماثلة؟ ماذا حل بحس الحياء الإفريقي التقليدي؟ هذا السينودس يعلن بوضوح تام: آن الأوان لتبديل العادات من أجل مصلحة الأجيال الحالية والمستقبلية.

جمع قوانا الروحية

نرغب في التذكير مجدداً بما قاله البابا بندكتس السادس عشر في عظته خلال القداس الافتتاحي لهذا السينودس: بأن إفريقيا هي "الرئة الروحية" للبشرية. إنها مورد أثمن من معادننا ونفطنا. لكنه حذرنا من أن هذه الرئة تتعرض لخطر الإصابة بالفيروس المزدوج المتمثل بالنزعة المادية والتعصب الديني. ينتشر التعصب الديني في كل أنحاء العالم، ويسبب الفوضى في مختلف أنحاء إفريقيا. من ثقافتنا الدينية التقليدية، استمد الأفارقة معنى الله الخالق. لقد استمع السينودس إلى شهادة العديد من آباء السينودس الذين نجحوا في السير على درب الحوار مع المسلمين. قدموا شهادات تفيد بأن الحوار فعال والتعاون ممكن وفعال. كما أن مسائل المصالحة والعدالة والسلام تشغل الجماعات كلها بغض النظر عن العقيدة.
إن الحوار والتعاون ينجحان في ظل احترام متبادل. تشتمل حرية الدين أيضاً على حرية مشاركة الإيمان واقتراحه لا فرضه، وقبول المهتدين والترحيب بهم.

خاتمة
إفريقيا ليست عاجزة. ما يزال مصيرنا بين أيدينا. إن كل ما تطلبه هو مجال للعيش والنمو. إن إفريقيا تتقدم والكنيسة تتقدم معها مقدمة لها نور الإنجيل. قد تكون المياه مضطربة، لكننا قادرون على الوصول إلى ميناء المصالحة والعدالة والسلام من خلال النظر إلى المسيح الرب. (وكالة فيدس 23-10-09)


مشاركة: