بندكتس السادس عشر في الاراضي المقدسة (24) – صلاة الغروب في معبد البشارة

الجمعة, 15 مايو 2009

الناصرة: (وكالة فيدس) – أشعر برهبة وتأثر كبيرين وأنا حاضر معكم في هذا المكان الذي صار فيه كلمة الله جسدا وجاء ليقيم معنا وبيننا. كم يحلو الاجتماع سوية لترنيم صلاة الغروب الكنسية فيما نحن نسبح الله ونحمده على الآيات التي صنعها لأجلنا. أشكر رئيس الأساقفة المطران بولس الصياح على عبارات الترحيب الكريمة وأحيي من خلاله أبناء الطائفة المارونية في الأرض المقدسة. أحيي الكهنة والرهبان والراهبات وأعضاء الحركات الكنسية والعاملين الرعويين الذين وفدوا من الجليل كافة. أثني مرة أخرى على الرعاية الحسنة التي يوفرها رهبان حراسة الأرض المقدسة منذ قرون عدة للأماكن المقدسة كالتي نحن فيها. أوجه تحياتي لبطريرك اللاتين السابق ميشال صباح الذي ساس رعيته وقطيعه لأكثر من عشرين سنة في هذه الأراضي. أحيي مؤمني بطريركية القدس للاتين وغبطة البطريرك الحالي فؤاد الطوال وأبناء طائفة الروم الملكيين الكاثوليك الممثلة بشخص رئيس الأساقفة المطران الياس شكور. وفي هذا المكان عينه حيث ترعرع يسوع حتى بلوغه سن الرشد وتعلم اللغة العبرانية، أحيي المسيحيين الناطقين باللغة العبرية الذين يذكروننا بجذور إيماننا اليهودية.
إن ما جرى هنا في الناصرة وبعيدا عن أعين العالم، كان عملا لله فريدا وتدخلا قديرا في التاريخ فمن خلاله حبل بطفل ليحمل الخلاص للعالم أجمع. ما تزال آية التجسد تواصل تحديها لنا كي تفتح عقلنا على إمكانيات لا حد لها لسلطان الله الذي يبدل ويغير، ولمحبته لنا، ورغبته في الشركة معنا. في هذا المكان، صار ابن الله الأزلي بشرا ومكننا نحن إخوته وأخواته أن نتقاسم بنوته الإلهية. تبدل هذا الحب الذي أخلى ذاته ليرفعنا ويجعلنا نقاسم حياة الله ذاته (راجع فيليبي 2/6-11). إن الروح الذي حل في مريم (لوقا 1/35) هو عينه الروح الذي رفرف على المياه في فجر الخلق (راجع تكوين 1/2). ويذكرنا هذا أن التجسد كان عمل خلق جديدا. حينما حبل بربنا يسوع المسيح بواسطة الروح القدس في حشا مريم البتول، اتحد الله ببشريتنا المخلوقة وأقام معنا علاقة دائمة وجديدة ودشن الخليقة الجديدة. يؤكد نص البشارة لطف الله الفائق (راجع الأم جوليان من نوريتش، إيحاءات 77-79). فهو لا يفرض ذاته ولا يحدد دور مريم في مخططه من أجل خلاصنا، بل يبتغي رضاها قبل كل شيء. في بدء عملية الخلق، لم يسأل الله رضى أي من خلائقه، ولكنه يطلبه من خليقته الجديدة. تمثل مريم البشرية برمتها. وهي تتكلم باسمنا جميعا حين تجيب لدعوة الملاك. يصف القديس برنردس كيف أن الطغمات السماوية كلها تأهبت قلقة بانتظار أن تتفوه مريم بكلمة نعم التي من خلالها تمت الاتحاد الزوجي بين الله والبشرية. وركزت أجواق الملائكة انتباهها على هذه اللحظة التي فيها جرى حوار شق الطريق أمام فصل جديد ونهائي من تاريخ العالم، إذ قالت: "فليكن لي بحسب قولك"، وكلمة الله صار بشرا.
يمنحنا التأمل بذلك السر السعيد رجاء وطيدا في أن الله لن ينفك من توجيه تاريخنا ويفعل بسلطانه المبدع لتحقيق الأهداف التي قد تبدو للعقل البشري مستحيلة. وهذا ما يتحدانا كي ننفتح على عمل الروح القدس الخالق المحوّل، الذي يجددنا ويجعلنا شيئا واحدا معه ويملأنا بحياته. كما أنه يدعونا، بلطفه العذب، كي نوسع له مكانا فيسكن فينا ونقبل كلمة الله في قلوبنا لنتمكن من التجاوب معه بمحبة والذهاب بمحبة الواحد نحو الآخر. يشكل المسيحيون في دولة إسرائيل وفي الأراضي الفلسطينية أقلية السكان. قد يبدو لكم في بعض الأحيان أن صوتكم لا أهمية له. كثيرون من أصدقائكم المسيحيين هاجروا أملا بوجود أمن أوفر وتطلعات أفضل. إن وضعكم يعيد إلى الأذهان صورة مريم الفتاة العذراء التي عاشت حياة مغمورة في الناصرة يكفيها القليل من الثروة والسمعة لمعيشتها اليومية. نردد كلمات مريم في نشيد التسبيح الكبير تعظم نفسي الرب، لقد نظر الله إلى أمته الوضيعة، وأشبع الجياع من الخيرات. لنغرف قوة من نشيد مريم الذي سنرنمه بعد قليل بالاتحاد مع الكنيسة الجامعة في العالم كله! لا تخافوا من أن تكونوا شهودا للمسيح ثابتين في أرضكم هنا التي قدسها بحضوره! على مثال مريم، عليكم أن تلعبوا دورا بارزا في مخطط الله الخلاصي وأنتم تحملون المسيح إلى العالم فتشهدون له وتنشرون رسالته، رسالة السلام والوحدة. ويجب بالتالي أن تكونوا متحدين فيما بينكم بشكل يسمح للكنيسة في الأرض المقدسة بأن تكون "العلامة والأداة للوحدة الوثيقة في الله ووحدة الجنس البشري" (دستور عقائدي في الكنيسة،1). إن وحدتكم في الإيمان والرجاء والمحبة هي ثمرة الروح القدس الساكن فيكم الذي يجعلكم قادرين أن تكونوا أدوات فاعلة لسلام الله، متعاونين فيما بينكم على بناء مصالحة أصلية بين الشعوب المعترفة بأن إبراهيم أبو المؤمنين. ومثلما هتفت مريم فرحة في نشيد تعظيمها فإن الله يذكر رحمته "من رحمة لإبراهيم وذريته إلى الأبد" (لوقا 1، 54 ـ 55). أيها الأصدقاء بالمسيح، كونوا على ثقة بأني سأذكركم على الدوام في صلاتي، وأطلب منكم أن تفعلوا الأمر عينه من أجلي. فلنتوجه إلى أبينا السماوي، الذي نظر في هذا المكان إلى تواضع أمته، منشدين التسبيح والحمد بالاتحاد مع الطوباوية مريم العذراء وطغمات الملائكة والقديسين ومع الكنيسة المنتشرة في كل أرجاء المعمورة. - عن إذاعة الفاتيكان – (وكالة فيدس 15-05-2009)


مشاركة: