البابا في عظته للأساقفة خلال السيامة الأسقفية: " الكنيسة ليست "كنيستنا" وإنما كنيسته، كنيسة الله. يجب أن يظهر الطريقة التي سهر فيها على الوزنات التي أوكلت إليه. إننا لا نلزم البشر بنا ولا نسعى وراء السلطة والمكانة واحترام ذاتنا. "

الأحد, 13 سبتمبر 2009

حاضرة الفاتيكان (وكالة فيدس) – منح البابا بندكتس السادس عشر يوم السبت 12 سبتمبر السيامة الكهنوتية لخمسة كهنة: المونسنيور جوردانو كاتشا، المونسنيور فرانكو كوبولا، المونسنيور بييترو بارولين، المونسنيور رافاييلو مارتينيلي والمونسنيور جورجيو كوربيليني ونشاركهم فرحهم. وقال البابا في عظته: " وفقاً للتقليد الرسولي، يمنح هذا السر من خلال وضع اليدين للتبريك والصلاة. يحدث وضع اليدين في جو من الصمت تكون فيه الكلمة البشرية غير ملفوظة بوضوح. تنفتح النفس بصمت على الله الذي يمد يده للإنسان ويجعله خاصته ويغطيه بيده في الوقت عينه ليحميه فيصبح الإنسان مُلكاً لله ويرشد الآخرين إلى يد الله. ولكن الصلاة هي العنصر الأساسي الثاني في فعل التكريس. فالسيامة الأسقفية هي حدث للصلاة. ما من إنسان قادر على جعل إنسان آخر كاهناً أو أسقفاً. إن الرب نفسه هو الذي يجذب هذا الإنسان إلى خدمته وإلى الكهنوت من خلال كلمة الصلاة وبادرة وضع اليدين".
وقال البابا إن الكنيسة نمت "رمزاً بليغاً عن هذا الرابط بين صلاة المسيح وعمله على الإنسان في الليتورجية. خلال صلاة السيامة، يوضع كتاب الأناجيل المفتوح، كتاب كلمة الله على المرشح. يجب أن يتغلغل فيه الإنجيل، كلمة الله الحي. فالإنجيل ليس مجرد كلمات – المسيح نفسه هو الإنجيل. إلى جانب الكلمة، يجب أن تتغلغل حياة المسيح في هذا الإنسان بحيث يتحد بالكامل معه فيعيش فيه المسيح ويعطي شكلاً ومعنىً لحياته." على مثال التلاميذ الاثنين والسبعين الذين أرسلهم الرب، يجب أن يحقق الشفاء ويساعد على تضميد الجراح البشرية الداخلية، ويرسخ مقربته من الله. إن ملكوت الله الذي يتحدث عنه إنجيل اليوم ليس "قريباً" من الله، وضعاً سائداً في العالم بل إنه حضور الله نفسه الذي هو القوة الشافية.
إن الميزة الأولى التي يطلبها الرب من الخادم هي الأمانة. يوكل إليه وزنة كبيرة ليست ملكه. الكنيسة ليست "كنيستنا" وإنما كنيسته، كنيسة الله. يجب أن يظهر الطريقة التي سهر فيها على الوزنات التي أوكلت إليه. إننا لا نلزم البشر بنا ولا نسعى وراء السلطة والمكانة واحترام ذاتنا. إننا نرشد البشر إلى يسوع المسيح وإلى الله الحي - قال البابا - ونكشف لهم عن الحقيقة والحرية النابعة من الحقيقة. الأمانة هي محبة الغير، وبذلك فهي محررة للخدمة نفسها وللأشخاص الذين تمنح لهم. نعلم أن الأمور لا تسير على ما يرام في المجتمع المدني وحتى في الكنيسة أحياناً، لأن الأشخاص الذين ألقيت المسؤولية على عاتقهم، يعملون لأنفسهم وليس للجماعة أي للخير العام. من خلال بضعة أسطر، يجسد الرب صورة الخادم الشرير الذي يبدأ بالأكل والشرب فيسكر ويضرب الخادمين والخادمات ويكون بذلك قد خان جوهر واجبه. في اللغة اليونانية، تتطابق الكلمة المشيرة إلى "الأمانة" مع الكلمة المشيرة إلى "الإيمان". كذلك تكمن أمانة خادم يسوع المسيح في عدم سعيه إلى تكييف الإيمان مع ذوق العصر. وحده المسيح يملك كلمات الحياة الأبدية التي يجب أن نبشر بها البشر. لقد أعطينا وزنات غير ثابتة. هذه الأمانة ليست عقيمة ومستقرة، وإنما مبدعة. يوبخ السيد العبد الذي يطمر الوزنة في الأرض متجنباً أي مخاطرة. من خلال هذه الأمانة الظاهرية، يكون العبد قد طرح وزنة سيده جانباً ليكرس نفسه فقط لشؤونه الخاصة. الأمانة لا تعني الخوف وإنما هي مستوحاة من المحبة وديناميكيتها. أما العبد الذي استخدم وزناته فإنه يلقى الثناء من سيده. لا بد من مشاركة الإيمان لأنه لم يُمنح لنا وحدنا، لخلاص نفوسنا، وإنما للآخرين، لهذا العالم وزماننا. ولا بد من التبشير به في العالم لكيما يصبح قوة حية فينمو وجود الله في العالم. الفطنة هي الميزة الثانية التي يطلبها يسوع من الخادم. وهنا لا بد من إزالة اللغط حولها. إن الفطنة تختلف عن الحذق. وفقاً للتقليد الفلسفي اليوناني، تعتبر الفطنة أولى الفضائل الأساسية وتشير إلى أولية الحقيقة التي تصبح معيار سلوكنا من خلال "الفطنة". تتطلب الفطنة تفكيراً متواضعاً، منضبطاً ومحترساً (قد) تعميه الأحكام المسبقة، تفكيراً لا يصدر الأحكام وفقاً للرغبات والأهواء بل يسعى إلى الحقيقة – حتى الحقيقة المزعجة. تعني الفطنة الالتزام بالسعي وراء الحقيقة والعمل بموجبها. إن العبد الفطن هو في المقام الأول إنسان ذات تفكير صادق ومحب للحقيقة.
من خلال يسوع المسيح، شرع لنا الله نافذة الحقيقة التي لكانت قد بقيت موصدة بإحكام أو واضحة جزئياً لو وضعت بعهدتنا. في الكتاب المقدس وفي عقيدة الكنيسة يظهر لنا حقيقة الإنسان التي ترشد أعمالنا في الاتجاه الصحيح. وبالتالي تكمن الفضيلة الأساسية الأولى للكاهن، خادم يسوع المسيح، في السماح للحقيقة التي يظهرها لنا المسيح بتنشئته. بذلك نصبح بشراً عاقلين نحكم على أساس عام وليس وفقاً لتفاصيل عرضية. لا نسمح لنافذة حذقنا الشخصي بإرشادنا بل للنافذة الكبيرة التي فتحها لنا المسيح على الحقيقة. ننظر إلى العالم والبشر ونرى (من خلال هذه الحقيقة) الأمور المهمة في الحياة. أما الميزة الثالثة التي يتحدث عنها يسوع في مثل الخادم فهي الصلاح: "أيها العبد الصالح والأمين... أدخل إلى فرح سيدك" (مت 25: 21، 23). إن معنى ميزة "الصلاح" يصبح واضحاً لنا إن فكرنا في لقاء يسوع مع الشاب الغني. فقد أسرع هذا الرجل إلى يسوع ودعاه "المعلم الصالح"، فجاء الرد مفاجئاً: "لماذا تدعوني الصالح؟ ليس أحد صالحاً إلا واحد، وهو الله" (مر 10: 17، 18). الله هو وحده الصالح. إنه الصلاح بامتياز وبشخصه. لذلك فإن صلاح الخلق – الإنسان – مبني على توجه داخلي عميق نحو الله. ينمو الصلاح بالاتحاد الروحي مع الله الحي. يستلزم الصلاح أولاً اتحاداً حياً مع الله الصلاح واتحاداً روحياً معه. ممن يمكننا معرفة الصلاح الحقيقي إن لم يكن منه هو الذي أحبنا حتى النهاية؟ إننا نصبح خداماً صالحين من خلال علاقتنا الحية مع يسوع المسيح. لا نصبح صالحين بحق إلا إن تجلت حياتنا في الحوار معه، وإن تغلغت فينا ميزاته وشخصيته. في الروزنامة الكنسية، نتذكر اليوم اسم مريم. فيها هي التي كانت وما تزال متحدة مع الابن المسيح، وجد البشر في ظلمات هذا العالم وآلامه إيمان الوالدة التي تمنحنا الشجاعة على المضي قدماً. في التقليد الغربي، ترجم اسم "مريم" كـ "نجمة البحر". وفي هذا الاسم، يتم التعبير عن هذه التجربة: كم مرة ظهر التاريخ الذي نعيش فيه كبحر غامض تضرب أمواجه سفينة حياتنا الصغيرة؟ أحياناً يبدو الليل قاتماً. وغالباً ما يشعر المرء أن الشرير هو وحده القوي وأن الله بعيد جداً. وكثيراً ما نتمكن فقط من إلقاء نظرة خاطفة وبعيدة على النور العظيم، يسوع المسيح الذي انتصر على الموت والشر. لكننا الآن نرى النور الساطع أقرب إلينا عندما تقول مريم: "ها أنا أمة الرب". نرى نور الصلاح النابع منها. في الصلاح الذي استقبلت به الملاك، والذي تلبي من خلاله المطامح الكبيرة والصغيرة للعديد من البشر، نجد صلاح الله بطريقة بشرية. أعطانا أمه لتكون أمنا لنتعلم منها القبول الذي يجعلنا صالحين. (وكالة فيدس 13-9-09)


مشاركة: