بندكتس السادس عشر في رسالته لصوم 2009: "اتمنى أن تستفيد جميع العائلات والجماعات المسيحية من هذا الصوم للابتعاد عن كل ما يشتت الفكر ولتكثيف ما يغذي الروح ويدفعها إلى محبة الله والقريب"

الخميس, 26 فبراير 2009

حاضرة الفاتيكان (وكالة فيدس) - في رسالته لزمن الصوم 2009 بعنوان وبعدما صام يسوع أربعين نهاراً وأربعين ليلة، جاع أخيراً" (مت 4، 2)، تطرق البابا الى "ثلاث ممارسات تكفيرية عزيزة على التقليد البيبلي والمسيحي متمثلة في الصلاة والصدقة والصوم" من أجل الاستعداد للاحتفال بالفصح على نحو أفضل واختبار قدرة الله التي "تنتصر على الشر، تطهرنا من خطايانا، تبرئ الخطأة، تعيد الفرح إلى المكروبين، تبدد البغض، تحمل لنا السلام وتخزي كبرياء العالم". وقال البابا بان الصوم "أعطي لنا كوسيلة نستأنف بها صداقتنا مع الرب، موضحاً أنه في "العهد الجديد يوضح يسوع السبب العميق للصوم مندداً بموقف الفريسيين الذين كانوا يتقيدون بدقة بتعليمات الشريعة في حين أن قلوبهم كانت بعيدة عن الله". المؤمن يتطلع من خلال الصوم إلى الخضوع لكلمة الله بخشوع مسلماً نفسه إلى صلاحه ورحمته.
وتطرق بندكتس السادس عشر الى الصوم لدى الجماعة المسيحية الأولى، فآباء الكنيسة يتحدثون عن "قوة الصوم القادرة على ردع الخطيئة وقمع رغبات "الإنسان الأول" وفتح درب نحو الله في قلب المؤمن" . والصوم هو "فعل متواتر لدى القديسين كما أنهم يوصون به. ويكتب القديس بطرس كريسولوغوس: "إن الصوم هو روح الصلاة، والرحمة هي حياة الصوم. لذا فإنه يجب على من يصلي أن يصوم، وعلى من يصوم أن يرحم. وإن أراد أن يُستجاب له فعليه أن يستجيب للآخرين. وإن أصغى إلى الآخرين، أصغى الله إليه". أما في أيامنا – قال الاب الأقدس - يبدو أن ممارسة الصوم قد فقدت القليل من قيمتها الروحية لتأخذ بالأحرى قيمة علاجية للعناية الجسدية في ثقافة تتميز بالسعي وراء الراحة الجسدية. "إن الصوم مفيد من دون أي شك للهناء الجسدي ولكنه بالنسبة إلى المؤمنين "علاج" يداوي كل ما يحول دون عملهم بحسب مشيئة الله".
الصوم يساهم في توحيد الإنسان جسداً وروحاً ويساعده على تجنب الخطايا والنمو في التقرب من الله. والقديس أغسطينوس الذي كان يعرف جيداً ميوله السلبية التي كان يصفها بـ "العقد الملتوية والمعقدة، كتب في مؤلفه عن فائدة الصوم: "إنني أتكدر العذاب بالتأكيد لكي أحصل منه على الغفران؛ إنني أتقشف لكي يساعدني ويرضى عني فأتلذذ من عذوبته". إن حرمان أنفسنا من القوت المادي الذي يغذي أجسادنا – أضاف الحبر الأعظم - يسهل علينا الاستعداد الروحي للإصغاء إلى المسيح والاقتيات من كلامه الخلاصي. من خلال الصوم والصلاة، نسمح له بالمجيء إلينا ليشفي غليلنا.
وتابع بندكتس السادس عشر مشدداً على أهمية الصوم الذي "يساعدنا على العيش على مثال السامري الصالح الذي ينحني لمساعدة أخيه المتألم. إننا من خلال الاختيار الطوعي لحرمان أنفسنا من شيء في سبيل مساعدة الآخرين، نظهر بطريقة ملموسة أن القريب المتألم ليس غريباً عنا". ودعا البابا الرعايا وكافة الجماعات الى تكثيف ممارسة الصوم الفردي والجماعي خلال زمن الصوم الكبير وتنمية الإصغاء إلى كلمة الله، والصلاة والصدقة. الصوم إذن هو "عبارة عن ممارسة تقشفية مهمة وسلاح روحي لمكافحة كافة أشكال التعلق المضطرب بالنفس. فحرمان النفس طوعاً من ملذة الغذاء والأمور المادية الأخرى يساعد تلميذ المسيح على التحكم بشهوات طبيعته...
في ختام رسالته تمنى البابا بندكتس السادس عشر أن تستفيد "جميع العائلات والجماعات المسيحية من هذا الصوم للابتعاد عن كل ما يشتت الفكر ولتكثيف ما يغذي الروح ويدفعها إلى محبة الله والقريب"، وبخاصة من خلال "التزام بالصلاة، والقراءة الإلهية، والعودة إلى سر المصالحة والمشاركة الفعلية في سر الافخارستيا والمشاركة أولاً في قداس الأحد". (وكالة فيدس 26-02-2009)


مشاركة: