"لكي تتجدد العنصرة في زمننا، ربما يجب على الكنيسة – دون أن ننزع بذلك شيئًا من حرية الله – أن "تقلق" أقل لأجل الأعمال وأن تكون أكثر أمانة للصلاة". البابا في عظته بمناسبة عيد العنصرة

الاثنين, 1 يونيو 2009

حاضرة الفاتيكان (وكالة فيدس) "من بين جميع الأعياد السيدية، يتميز عيد العنصرة بأهميته، لأنه العيد الذي يتحقق فيه ما سبق وأعلنه يسوع بالذات أنه الهدف من كل رسالته على الأرض. هذا ما قاله البابا بندكتاس السادس عشر في عظته يوم الأحد الماضي بمناسبة عيد العنصرة، مشيراً الى أن يسوع "حمل إلى الأرض النار الحقة، الروح القدس. لم ينتزع هذه النار من الآلهة، كما فعل بروميتيوس، بحسب الأسطورة اليونانية، بل صار وسيطًا لـ "هبة الله" فنالها لنا بواسطة أكبر فعل حب في التاريخ: موته على الصليب". وأضاف البابا بأن هناك "أيضًا "سبيل طبيعي" اختاره الله لكي "يلقي النار على الأرض": هذا السبيل هو يسوع، ابنه الوحيد المتجسد، المائت والقائم. وبدوره، أقام يسوع المسيح الكنيسة كجسده السري، لكي تطيل رسالته في التاريخ. "تقبلوا الروح القدس" – هذا ما قاله الرب للرسل عشية القيامة، وأرفق هذه الكلمات بإيماءة معبرة: "نفخ" فيهم".
وانتقل البابا ليتخدث عن اتفاق التلاميذ مشيراً الى انه "الشرط لكي يأتي الروح القدس؛ وركيزة الاتفاق هي الصلاة. وهذا الأمر، أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، ينطبق أيضًا على كنيسة اليوم، ينطبق عليها، المجتمعين هنا. إذا أردنا ألا يضحي عيد العنصرة مجرد طقس بسيط وذكرى مؤثرة، بل أن يكون حدث خلاص آني، يجب أن نستعد بانتظار تقوي لهبة الله من خلال إصغاء متواضع وصامت للكلمة. ولكي تتجدد العنصرة في زمننا، ربما يجب على الكنيسة – دون أن ننزع بذلك شيئًا من حرية الله – أن "تقلق" أقل لأجل الأعمال وأن تكون أكثر أمانة للصلاة. هذا ما تعلمنا إياه أم الكنيسة، مريم الكلية القداسة، عروسة الروح القدس. وذكر البابا بأن عيد العنصرة يتزامن هذا العام مع اختتام الشهر المريمي. "زيارة مريم لأليصابات – أضاف - كانت نوعًا من "عنصرة" صغيرة، أفاضت الفرح والتسبيح في قلبي أليصابات ومريم، إحداهما عاقر والثانية عذراء، وصارتا كلتاهما والدتين بفضل تدخل خارق من الله.
وشرح البابا رواية كتاب اعمال الرسل موضحاً انه يستعمل في خبر العنصرة تصويرين هامين للإشارة إلى الروح القدس: "صورة العاصفة وصورة النار. من الواضح أن لوقا يفكر بظهور الله في سيناء، الذي يتحدث عنه كتاب الخروج (19، 16 – 19) والتثنية (4، 10 – 12 . 36). في العالم القديم كانت العاصفة علامة للجبروت الإلهي، الذي يشعر الإنسان بحضوره أنه خاضع وأنه عدم. ولكن أود أن أشير أيضًا إلى خاصية أخرى: يتم وصف العاصفة بـ "ريح عاصفة"، وهذا يجعلنا نفكر بالهواء، الذي يميز كوكبنا عن الكواكب الأخرى ويسمح لنا بالعيش عليه. وما يعنيه الهواء للحياة البيولوجية، هو الروح بالنسبة للحياة الروحية؛ وكما يوجد التلوث البيئي، الذي يسمم الجو والكائنات الحية، كذلك هناك تلوث القلب والروح، الذي يقتل ويسمم الوجود الروحي. وكما لا يجب أن نتأقلم مع السموم في الهواء - ومن هنا يشكل الالتزام البيئوي أولية في أيامنا – كذلك يجب أن نتصرف مع ما يفسد الروح. ولكن على ما يبدو هناك الكثير من المواد الملوثة للفكر والقلب في مجتمعنا – مثل الصور التي تجعل من اللذة والعنف أو احتقار الرجل والمرأة نوعًا من استعراض – ويبدو أننا نعتاد على هذه الأمور دون صعوبات. ويقال أن هذه حرية أيضًا دون إدراك أن هذا يلوث ويسمم النفوس وخصوص نفوس الأجيال الصاعدة، وينتهي بنا الأمر بإرادة مكبَّلة. صورة الريح العاصف في العنصرة يجعلنا نفكر بأهمية تنفس الهواء النقي، للرئى الجسدية، وللقلب الروحي، هواء الروح الصافي الذي هو الحب." أما الصورة الثانية - تابع البابا - فهي النار. أشرت في مطلع الحديث عن المقارنة بين يسوع وشخصية بروميتيوس الأسطورية، التي تذكرنا بطابع مميِّز للإنسان المعاصر. بعد سيطرته على قوى الكون – النار – يبدو وكأن الكائن البشري اليوم يريد أن يبرهن عن نفسه بأنه إله ويريد أن يغير العالم مستثنيًا، مهمشًا بل ورافضًا خالق الكون. لا يريد الإنسان أن يكون من بعد صورة الله، بل صورة نفسه؛ يعلن عن نفسه بأنه مستقل، حر وناضج. من الواضح أن هذا الموقف يُظهر عن علاقة غير أصيلة مع الله، نتيجة لصورة مغلوطة أقامها، كالابن الضال في المثل الإنجيلي الذي يعتقد بأنه يحقق ذاته بابتعاده عن بيت أبيه. في يدي إنسان من هذا النوع، تضحي النار وقوتها العظيمة أداة خطرة: فهو يستطيع أن ينقلب على الحياة وعلى البشرية عينها، كما يبين لنا التاريخ للأسف. تبقى مآسي هيروشيما وناكازاكي، حيث استعملت الطاقة الذرية لأهداف حربية فأدت إلى زرع الموت بمقادير لم يُسمع بها سابقًا، كتحذير دائم لنا."
في الختام، قال الباباإن "الروح القدس ينتصر على الخوف. نعرف كيف أن التلاميذ قد لجأوا إلى العلية بعد اعتقال معلمهم وبقيوا هناك مختبئين خوفًا من أن يصيبهم المصير نفسه. بعد قيامة يسوع لم يضمحل خوفهم دفعة واحدة. وهاهم في يوم العنصرة، عندما حل الروح القدس عليهم، يخرجون دون خوف ويبدأون بتبشير الجميع بالبشرى السارة، بشرى المسيح المصلوب والقائم. لم يكن لديهم أي خوف لأنهم كانوا يشعرون أنهم في يدي الأقوى"... حيثما يدخل روح الله، يطرد الخوف؛ ويجعلنا نعرف ونشعر بأننا في يد حب كلي القدرة: مهما حدث، فحبه اللامتناهي لا يتخلى عنا. وتبين لنا ذلك شهادة الشهداء، وشجاعة المعترفين، واندفاع المرسلين، وصراحة الواعظين، ومثال جميع القديسين، والبعض منهم مراهقين وأطفال. يبين لنا ذلك وجود الكنيسة عينها، التي بالرغم من محدودية وذنوب البشر، تستمر المسير في بحر هذا التاريخ، تدفعها نفحة الله وتحييها ناره المطهرة." (وكالة فيدس 01-06- 2009)


مشاركة: