"رفض تكريم أيقونة المسيح يعني إزالة عمله الخلاصي، لأنه منذ اعتناقه الطبيعة البشرية، ظهر الكلمة الإلهي اللامنظور في الجسد البشري المنظور وبهذا الشكل قدّس كل الكون المرئي": بندكتس السادس عشر يتحدث عن تيودوروس الستوديتي

الخميس, 28 مايو 2009

حاضرة الفاتيكان (وكالة فيدس)- تحدث البابا بندكتس السادس عشر خلال المقابلة العامة يوم الاربعاء 27 مايو عن القديس تيودوروس الستوديتي الذي "أضحى رئيس المقاومة في وجه الإمبراطور لاوون الخامس الأرمني المحارب الأيقونات، الذي عارض من جديد وجود الصور والأيقونات في الكنيسة. ولدت المسيرة بالأيقونات التي نظمها رهبان ستوديوس ردة فعل الشرطة. وبين عام 815 و 821، جُلد ثيودوروس، وسُجن ونُفي في أماكن مختلفة في آسيا الصغرى. وفي النهاية تمكن من العودة إلى القسطنطينية، ولكن ليس إلى ديره. ومن ثم تمركز مع رهبانه في ساحل البوسفور المقابل. يقدر أنه مات في برينكيبو، في الحادي عشر من نوفمبر 826، اليوم الذي يذكره فيه التقويم البيزنطي".
وقال البابا إن ثيودورس لمع في تاريخ الكنيسة كأحد أكبر مصلحي الحياة الرهبانية وكمدافع عن الصور المقدسة خلال المرحلة الثانية من الحرب على الأيقونات. وكان يقول: "رفض تكريم أيقونة المسيح يعني إزالة عمله الخلاصي، لأنه منذ اعتناقه الطبيعة البشرية، ظهر الكلمة الإلهي اللامنظور في الجسد البشري المنظور وبهذا الشكل قدّس كل الكون المرئي". وتابع قداسته مذكراً بأن إن ثيودوروس وتلاميذه "هم شهود شجعان في زمن الاضطهادات ضد مكرمي الأيقونات، وبوقت عينه يرتبطون بإصلاح الحياة الرهبانية في العالم البيزنطي. وتفرض أهميتهم ذاتها انطلاقًا من إطار خارجي: العدد. فبينما لم يكن عدد رهبان الأديار في ذلك الزمان ليتخطى الثلاثين أو الأربعين راهبًا، من "حياة ثيودوروس" نعلم بوجود أكثر من ألف راهب ستوديتي. ويعلمنا ثيودوروس بالذات أن ديره يضم نحو 300 راهب؛ ونرى بالتالي حماسة الإيمان الذي ولد في إطار هذا الرجل العالم حقًا والناشئ على ركيزة الإيمان. ولكن أكثر من العدد، يظهر تأثير الروح الجديد الذي نفحه المؤسس في الحياة الرهبانية الجماعية. يشدد في كتاباته على ضرورة الرجوع الواعي إلى تعاليم الآباء.
"هناك قناعة راسخة أخرى عند ثيودوروس – تابع البابا- وهي ان " الرهبان، خلافًا للعلمانيين، يلتزمون بعيش الواجبات المسيحية بزخم وكثافة أكبر. ولهذا يقومون بإبراز نذور خاصة تنتمي إلى واقع التكريس ، وهو نوعًا من "معمودية جديدة"، يشكل لبس الثوب فيها الرمز. يتميز الرهبان عن العلمانيين بالتزام الفقر والعفة والطاعة. في خطابه إلى الرهبان، يتحدث ثيودوروس بشكل عملي، وأحيانًا تصويري فاتن، عن الفقر، وهي عنصر جوهري في الحياة الرهبانية على خطى المسيح منذ البدء، وتدل إلى سبيل يخصنا جميعًا. فالتخلي عن التملك المادي، وموقف التحرر من الماديات، مثل الرزانة والبساطة، هي مواقف لها أهميتها الجذرية بالنسبة للرهبان، ولكن روح التخلي هو مساوٍ للجميع. "التخليات الأساسية هي بالنسبة له تلك التي تتطلبها الطاعة، لأن كل من الرهبان عنده أسلوب عيش خاص، والدخول في جماعة كبيرة مؤلفة من 300 راهب، يتطلب أسلوب حياة جديد يسميه ثيودوروس "استشهاد الخضوع". وهنا أيضًا يقدم الرهبان مثالاً له أهميته بالنسبة لنا أيضًا، لأن ميل الإنسان، بعد الخطيئة الأصلية، هو تنفيذ إرادته، المبدأ الأول في حياة العالم، وإخضاع كل شيء للإرادة الذاتية. ولكن بهذا الشكل، إذا ما تبع كل إنسان ذاته فقط، لا يستطيع نسيج المجتمع أن يكون فعالاً. فقط عبر تعليم الدخول في الحرية المشتركة، والاشتراك بها والخضوع له، وتعلم الشرعية، أي عبر الخضوع والطاعة لقواعد الخير المشترك والحياة المشتركة، من الممكن شفاء المجتمع والـ "أنا" من الكبرياء الذي يزعم أن يكون محور العالم. وبهذا الشكل يساعد ثيودوروس رهبانه ويساعدنا نحن أيضًا، عبر تأمل باطني رفيع، أن نقاوم تجربة أن نضع أنفسنا كقاعدة سميا للحياة، وأن نحافظ على هويتنا الشخصية الحقيقية – وهي هوية مشتركة مع الآخرين – وعلى سلام القلب.
ولانتقل الحبر الاعظم ليتكام عن فضيلة لخرى وعي حب العمل. فتيودورس يرى في ذلك وبنفس "السبيل لفحص نوعية التقوى الشخصية: بالنسبة له، من كان متقدًا في الالتزام المادي، ومن يعمل بثبات، يكون كذلك في الالتزامات الروحية. ولذا لا يسمح بذريعة الصلاة والتأمل، أن يتخلى الراهب عن العمل، وحتى العمل اليدوي، الذي هو بالحقيقة، بالنسبة له ولكل التقليد الرهباني، السبيل لإيجاد الله. لا يخاف ثيودوروس أن يتحدث عن العمل كـ "ذبيحة الراهب"، و "ليتورجيته"، لا بل كقداس تضحي من خلاله الحياة الرهبانية حياةً ملائكية. بهذا الشكل بالضبط يجب أنسنة عالم العمل فيضحي الإنسان ذاته من خلال العمل، ويقترب أكثر من الله. يجب أن نذكر نتيجة فريدة لهذه النظرة: بما أنها ثمرة نوع من الليتورجية، لا يجب أن تستخدم الموارد التي يثمرها العمل المشترك لرفاهية الرهبان، بل يجب أن تُخصص لمساعدة الفقراء. يمكننا أن نلمس هنا أهمية أن يكون ثمر العمل خيرًا للجميع. من الواضح، لم يكن عمل الستوديتيين يدويًا وحسب: فقد كانت لهم أهمية كبيرة في النمو الديني-الثقافي في الحضارة البيزنطية كخطاطين، وكنحاتين، وكشعراء، وكمربين للشباب، وكمعلمي مدارس وكمدبري مكتبات".
في الختام ذكر البابا بعض العناصر الأساسية لتعليم ثيودوروس الروحي. "حب الرب المتجسد وحضوره المرئي في الليتورجية وفي الأيقونات. الأمانة للعماد والتزام العيش في شركة جسد المسيح، الذي هو أيضًا شركة المسيحيين في ما بينهم. روح الفقر والرزانة والتخلي؛ العفة وضبط النفس، والتواضع والطاعة ضد أولية الإرادة الذاتية التي تدمر نسيج المجتمع والسلام في النفوس. حب العمل المادي والروحي. الصداقة الروحية النابعة من تطهير الضمير، وتطهير النفس والحياة. فلنسع لتطبيق هذه التعاليم التي تبين لنا حقًا طريق الحياة الحقة." (وكالة فيدس 28-05-2009)


مشاركة: