البابا في الأراضي المقدسة (6) – صلاة الغروب: "صوت الايمان الحقيقي يؤدي الى العدالة والسلام"

الثلاثاء, 12 مايو 2009

عمان (وكالة فيدس)- كلمة البابا في كاتدرائية القديس جورجيوس للروم الملكيين خلال صلاة الغروب: يطيب لي أن أحتفل معكم هذا المساء بصلاة الغروب في كاتدرائية القديس جاورجيوس. أحيي غبطة البطريرك غريغوريوس الثالث لحام بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك الذي وافانا من دمشق ورئيس الأساقفة شرفا جورج المر والمطران ياسر عياش رئيس أساقفة بترا وفيلادلفيا والذي أشكره على كلمته الترحيبية اللطيفة التي أبادلها بطيبة خاطر وبمشاعر الاحترام. أحيي أيضا رؤساء الكنائس الكاثوليكية الشرقية: الماروني والسرياني والأرمني والكلداني واللاتيني. وإلى جميع المجتمعين هنا من كهنة ورهبان وراهبات وإكليريكيين ومؤمنين، أعرب عن شكري العميق على فرصة الصلاة معكم وعيش غنى تقاليدكم الليتورجية.
الكنيسة نفسها شعب حجاج عرف على مر العصور أحداثا تاريخية وثقافية حاسمة تخللت بعضها وللأسف فترات من الخلافات اللاهوتية والقمع. مع ذلك سجلت فترات من المصالحة ـ قوت بشكل رائع الشركة الكنسية ـ وأخرى تميزت بانتعاش ثقافي ساهم فيه بشكل كبير مسيحيو الشرق. إن الكنائس الخاصة داخل الكنيسة الجامعة تشهد على ديناميكية مسيرتها الأرضية وتظهر لجميع المؤمنين كنز التقاليد الروحية، الطقسية والكنسية التي تشير إلى صلاح الله الشامل ومشيئته، التي ظهرت على مر التاريخ، بأن يجتذب الجميع إلى حياته الإلهية.
إن الكنز القديم الذي يحيا في تقاليد الكنائس الشرقية يغني الكنيسة الجامعة ويجب ألا يعتبر غرضا ينبغي حفظه وحسب فعلى جميع المسيحيين التجاوب بشكل فاعل مع دعوة الله ـ كما فعل القديس جاورجيوس وفقا للروايات الشعبية ـ كي يتعرف الآخرون على الله ويحبوه. في الواقع إن تعاقب الأحداث مع مر التاريخ زاد أعضاء الكنائس الخاصة قوة وشجعهم على معانقة هذا الواجب والالتزام بحزم في الاستجابة للاحتياجات الرعوية الحالية. لمعظمكم علاقات قديمة العهد مع بطريركية أنطاكية وهكذا رسخت جماعاتكم هنا في الشرق الأدنى. وكما دعي التلاميذ مسيحيين لأول مرة في أنطاكية، لألفي سنة خلت، اليوم أيضا، وكأقليات منتشرة في هذه الأراضي، يعترف بكم كأتباع الرب. إن التعبير علنا عن إيمانكم المسيحي لا يقتصر بالطبع على الاهتمام الروحي بعضكم ببعض وبجماعاتكم على الرغم من أهمية هذه الرعاية الروحية بل إن المبادرات الخيرية العديدة التي تقومون بها تشمل جميع الأردنيين ـ مسلمين وأتباع الديانات الأخرى ـ إضافة إلى اللاجئين الكثيرين الذين تستضيفهم المملكة بسخاء كبير.
أيها الأخوة والأخوات الأعزاء إن المزمور (103) الذي قرئ هذا المساء يقدم لنا صورا ممجدة لله، الخالق السخي، الحاضر بصورة فاعلة وسط خلائقه والذي يغذي الحياة بصلاحه وحكمته والمستعد دوما ليجدد وجه الأرض. إن المقطع الذي سمعناه للتو يقدم لنا صورة مختلفة إذ ينبهنا، بشكل واقعي لا تهديدي، بضرورة السهر وإدراك قوى الشر العاملة على تعتيم عالمنا (أفسس 6، 10 : 20). قد يفكر البعض بوجود تضارب لكننا إذا تأملنا بخبرتنا الإنسانية إنما نعترف بالمعركة الروحية ونشعر بالحاجة اليومية إلى ولوج نور المسيح وإلى اختيار الحياة والبحث عن الحقيقة. إن هذا الوقْع ـ الابتعاد عن الشر والاحتماء بقوة الله ـ هو ما نحتفل به في سر العماد أي دخول الحياة المسيحية والخطوة الأولى على طريق رسل الرب. إننا إذ نستذكر عماد المسيح على يد يوحنا في مياه الأردن نصلي كي يتحرر من نال سر العماد من مملكة الظلام ويلج تألق مملكة نور الله فينال عطية الحياة الجديدة.
إن هذا العبور الحركي من الموت إلى الحياة الجديدة، من الظلام إلى النور، من اليأس إلى الرجاء، والذي نختبره بشكل عميق خلال الثلاثية ونحتفل به بفرح كبير في فترة الفصح، يضمن لنا بقاء الكنيسة فتية. الكنيسة حية لأن المسيح حي، حقا قام. تسير الكنيسة كل يوم، ينعشها حضور الروح، وتقود رجالا ونساء إلى الله الحي. أيها الأساقفة، الكهنة، الأخوة والأخوات والمؤمنون الأعزاء، إن دورنا في أداء الرسالة والخدمة داخل الكنيسة ليس إلا تجاوبا مع الاحتياجات الملحة لشعب حاج. وليس طقسكم والقواعد الكنسية والإرث الروحي إلا شهادة حية لتقاليدكم إذ إنكم ترددون صدى أول إعلان للإنجيل وتنعشون الذكريات القديمة لأعمال الله وتعلنون نعمه الخلاصية ليشع من جديد نور الفصح وتموج شعلة العنصرة.
بهذه الطريقة وإذ نقتدي بالمسيح وآباء وأنبياء العهد القديم نقود خطى الشعب من الصحراء صوب أرض الحياة، نحو الله الذي يهبنا الحياة بوفرة. وهذا ما يميز نشاطكم الرسولي الذي يستحق كل تقدير بسبب تنوعه وجودته. من دور الحضانة إلى معاهد التعليم العالي، من دور الأيتام إلى مآوي العجزة، من العمل لصالح اللاجئين إلى أكاديمية الموسيقى، من العيادات الطبية إلى المستشفيات، من الحوار بين الأديان إلى المبادرات الثقافية، يشكل حضوركم في هذا المجتمع علامة رائعة للرجاء الذي نتميز به نحن المسيحيون.
ويتخطى هذا الرجاء حدود جماعتنا المسيحية، إذ تكتشفون أن الأسر المنتمية إلى ديانات أخرى والتي تعملون من أجلها وتقدمون لها نشاطكم الخيري لديها مخاوف وتواجه صعوبات تتخطى الحدود الثقافية والدينية. ويظهر هذا بوضوح فيما يتعلق بآمال وتطلعات الوالدين من أجل بنيهم. أي أب أو أم أو شخص ذي إرادة طيبة لا يضطرب أمام التأثيرات السلبية في عالمنا المعولم بما فيها العوامل المدمرة لصناعة التسلية والتي تستغل براءة وهشاشة الشخص والشاب؟ أجل، بأعينكم المحدقة بالمسيح، النور الذي يبدد كل شر ويعيد البراءة المفقودة ويذل اعتزاز الإنسان، ستحملون رؤى رائعة للرجاء لكل من تلتقون وتخدمون.
أود أن أنهي كلمتي بتشجيع خاص للحاضرين الذين يتأهلون للكهنوت والحياة الدينية. وإذ يوجهكم نور الرب القائم من الموت، يحييكم رجاؤه وحقيقته ومحبته، فإن شهادتكم ستحمل بركات وافرة لمن تلتقون على دروبكم. وفي الواقع ينطبق هذا الأمر أيضا على جميع الشبان المسيحيين الأردنيين: لا تخافوا من الإسهام الحكيم والمعتدل والوقور في الحياة العامة للمملكة. صوت الإيمان الأصيل سيحمل دوما كمالا وعدالة ورأفة وسلاما!
أيها الأصدقاء، أشكركم من جديد، بمشاعر الاحترام لجميع المجتمعين معي بالصلاة هذا المساء، على صلواتكم لخدمتي كخليفة بطرس وأذكركم مع من أوكلت إليكم عنايتهم الرعوية في صلاتي اليومية. – عن إذاعة الفاتيكان (وكالة فيدس 12-05-2009)


مشاركة: